مسرحية «السقوط عن نص دافئ» إخراج محمد جميل العسيري من السعودية ضمن أيام قرطاج المسرحية بدار الثقافة ابن رشيق: الكلمة الحرة ثورة ضدّ كل أشكال الرقابة

الكلمة، سيف، رصاص، خوف، حب، امل، جمال، الكلمة إحساس بالاخر، احساس بالذات، الكلمة حياة، الكلمة عالم، الكلمة

وجود فماذا يحدث لو ألغيت الكلمات، تخيل نصّا تسقط منه كلمة؟ هل تقدر على استيعاب ان تتمرد كلمة وتهرب من النص؟ هل سيكون مبتورا؟ كيف توضع الكلمة في نصّ غير نصها؟ هل تكون مشوهة وهجينة؟ هي جملة من الاسئلة التي يطرحها المخرج السعودي محمد جميل عسيري في عرضه المسرحي «السقوط عن نص دافئ».

هي مسرحية لفرقة «شدو» من المملكة العربية السعودية نص احمد البن حمضة واخراج محمد جميل العسيري وتمثيل كل من محمد جميل وفهد الغامدي وعبد الهادي الشاطري وعبد الجليل حرابة واحمد الحمدان وخالد الهويدي وامنة الزهراني.

حين تتمرد الكلمات تكون النصوص أجمل
«كلمة» هي بطلة الحكاية، كلمة متمردة ثائرة، كلمة كما الرصاصة تخترق القلب وتقدر على قلب ميزان الحكم، موسيقى حربية تنبعث في القاعة كانها تصوير للحالة النفسية للشخصية، هي كلمة هاربة تبحث عن المؤلف علّه يعيدها الى نصها الأصلي، كلمة بلباسها الأبيض المشوه باللون الأحمر، الأحمر الذي يعتمده المصحح أثناء مراجعة النص، كلمة حالمة بالحب بالجمال، كلمة تكون عشقا او املا او حياة، كلمة هي الام والوطن، هي الابتسامة الصادقة تجد نفسها محشورة في نصّ لا تشبهه ولا تنتمي إليه فتقرر تغيير مصيرها وتسقط من النص وتهرب.

«كلمة» هي محور الاحداث هي بطلة الحكاية شخصية يؤديها الممثل محمد جميل، كلمة تهرب من نصها وتبحث عن المؤلف، رحلة الهروب والبحث يواجه فيها الكثير من العراقيل فالرقابة تفوض شخصين للبحث عن الكلمة، تلك الكلمة الباحثة فقط عن العدل ومكانها الاصلي، هي تبحث فقط عن موطنها الاول، النص الذي ولدت فيه واعطته من روحها وجمالها ليكون متكاملا لا الآخر الهجين الذي لا تشبهه ولا تنتمي إليه، كلمة تريد العودة الى الاصل تحاول تجاوز مقص الرقابة وملاحقاته الصارمة، تبحث عن منفذ للحقيقة بعيدا عن ايدي الرقابة وعيونها في كل مكان.

«كلمة» او «كلمات» هي الضمائر الحية والارواح التائقة إلى الحرية، هي النصوص الجريئة المنتصرة فقط للعدل والانسان، هي الكلمات الصادقة التي تشحن الروح بالعزيمة، فكم من كلمة كان لها وقع الرصاص وكم من كلمة كانت حادة كما السيف وكم من كلمة كانت وطنا.

تهرب الكلمة، تبحث عن المؤلف «عبد الجليل حرابة» معتقدة انه باب النجاة وعنه وحده القادر على ارجاعها الى النص الاصلي ومكانها الاول، بعد صراع تلاقيه، الكاتب بلباس مهلهل ووجه منهك وجسد متعب كان عملية ولادة النصوص والكلمات قد اثقلته، تخبره كلمة عن طلبها فيجيب «اسف لا استطيع المساعدة خرج النص عن سلطتي هو ملك المحرر الان» جملة تنهي احلام كلمة، لكنها قوية ولازالت تواصل البحث وبطريقة بارعة يطرح المخرج العلاقة بين المؤلف والمحرر والناشر والرقابة، فهل النص الذي يصل الى القارئ هو ابن افكار المؤلف الاول ام هو نتيجة تدخلات المحرر اليد اليمنى للرقابة واي جمالية للكلمة إذا خرجت عن سلطة خالقها «الكاتب»؟ اسئلة تقد ببراعة من خلال الحركة والسينوغرافيا ورحلة البحث.

تواصل الكلمة رحلة التحرر، تواصل متعة الهروب رغم العذاب، تتحدى خوف المؤلف وشجاعة العيون وجبن المحرر لتقرر مصيرها، تحلم ان تعود الى الاصل رغم كل الدموية والعذابات الى ان تسقط بيد الرقابة وتكون نتيجة هروبها «الاعدام» (اكتبوا ان كلمة هاربة سقط في قاموس الكلمات المنسية) كما تقول اخر جملة من النص، لكن الكلمة رصاصة، الكلمة لا تموت وان سقطت في قاموس الكلمات المنسية فهي تضيئه وتحرر الكلمات الاخرى من سكون الموت، فالمسرحية تطرح بعد فلسفي لاهمية الكلمة ودورها في التغيير والبناء.

السينوغرافيا تشكيل لفرجة متكاملة
المسرح فعل متجدد، هو بحث في التقنيات الحديثة وتوظيفها لتقديم العمل المسرحي المشحون بالنقد والسخرية، السينوغرافيا من عوامل قوة العرض المسرحي، في «سقوط عن نص دافئ» تتماهى حركات الممثل مع الاضاءة لمكّي عبد الله والموسيقى وميكساج الصوت لحسين الخاتم ، الاضاءة الحمراء ميزة اغلب المشاهد هي لون للخوف والدم والموت، لون للحب ايضا، اللون الاحمر ينتشر كما حمرة اقلام المصححين على الورقات البيضاء، أكداس من الورق مرمية على الركح، هيكل طويل صنع من الورق في اشارة إلى النصوص الكثيرة التي كتبها المؤلف، الموسيقى تتماهى مع الإضاءة فهي صاخبة وقوية في مشاهد الملاحقة والهرب لتصبح رقيقة أثناء التذكر واستحضار اللحظات الجميلة فقوية من جديد وقت الصراع بين الكلمة والمحرر، الموسيقى مطية لنقل المشاعر النفسية وانفعالات الشخصيات، هي صوتهم المكتوم ولغتهم التي ساعدتهم كثيرا لايصال رسائل العمل المسرحي جميل الطرح والتقديم.
السينوغرافيا هي اعادة تشكيل النص جماليا، هي عملية خلق للمشهدية وتحويل الكلمات الى صور وفي عرض «السقوط عن نص دافئ» حضرت الفرجة بكل تفاصيلها، حركات ميكانيكية تشبه السينما، استعمال للاضاءة والموسيقى والتقطيع بين الحركات وكانك تشاهد عملية مونتاج، حركات صامتة دون كلام لاعطاء الجسد فرصته ليعبر في عدد من المشاهد، تماهى بين الديكور والممثل والموسيقى والنص المنطوق لتتكامل عناصر الفرجة والمشهدية المقدمة لجمهور ايام قرطاج المسرحية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115