فيتناوله بالدراسة والنقد. وهذا ما تميزت به الباحثة الأكاديمية والناقدة الأدبية فوزية الغالي التي التقت معها «المغرب» في الحوار التالي:
• هل لك في البداية أن تعرّفي القارئ بمسيرتك الحياتيّة والأدبيّة؟
فوزية الغالي دكتورة في اللغة والآداب والحضارة العربيّة وأستاذة أولى مميّزة بالمعاهد الثانويّة. زاولت تعليمي الابتدائيّ بمدرسة 23 جانفي 1952 بمدينة طبلبة، وفي معهدها الثانوي تحصّلت على الباكالوريا آدابا. ثمّ درست في كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة بسوسة حيث تحصّلت على الأستاذيّة سنة 2000 بملاحظة قريب من الحسن، وعلى الدراسات المعمّقة في اللغة والآداب والحضارة العربيّة اختصاص حضارة بملاحظة حسن جدّا سنة 2004، وعلى الدكتورا في اللغة والآداب والحضارة العربيّة سنة2014 اختصاص حضارة وتحديدا دراسات إسلاميّة بملاحظة مشرّف جدّا بأطروحة عنوانها «الفضاء المقدّس في الإسلام: الكعبة والمسجد أنموذجا».
أمّا عن مسيرتي الأدبيّة فقد شهدت أوجها في مرحلة الدراسة الجامعيّة إذ كنت أنظم الشعر وشاركت في أمسيات شعريّة وتظاهرات ثقافيّة للأدباء الشبّان والبرامج الثقافيّة على غرار برنامج «واحة المبدعين» وكان لي مشروع ديوان شعر إلاّ أنّ اهتماماتي البحثيّة في الدراسات الحضاريّة حوّلت وجهتي نحو الاهتمام بالعلوم الإنسانيّة والتراث الإسلامي بحثا وتمحيصا وتحرّيا فحال ذلك دون استكمال التجربة الأدبيّة
• ما الذي يمكن أن نعرفه عن إصداراتك؟
لقد تأخّرت إصداراتي بسبب صعوبات جمّة واجهتها في نشر أعمالي ويعود الفضل إلى الدكتور محمّد البدوي الذي أرجو له تمام الشفاء والعافية في خروج أوّل كتاب لي «أهل الصفّة رفقاء النبيّ محمّد» وهو في الأصل رسالة البحث التي تقدّمت بها للحصول على الدراسات المعمّقة ولم أنشرها إلاّ بعد أن تعهّدتها بالتهذيب والتصحيح والتحريّ. ثمّ صدر كتاب « الفضاء المقدّس في الإسلام» وهو في الأصل أطروحة الدكتورا صدرت عن دار زينب للنشر هذا العام ولا يفوتني شكر الشاعر مجدي بن عيسى لما وجده كتابي عنده من حفاوة. ونشرت في الصحف قراءات نقديّة عن رواية «شطّ الأرواح» لآمنة الرميلي، و»نازلة دار الأكابر» لأميرة غنيم.
• أنت باحثة وناقدة فلماذا اخترت الخوض في مسائل ذات علاقة بالعقيدة والدين ولم تركّزي مثلا على مجال الإبداع الأدبي شعرا وقصّة ورواية؟
ركّزت على مسائل ذات صلة بالعقيدة بحكم الاختصاص الدقيق الذي درسته وتدرّجت فيه وصولا إلى الدكتورا وقد استغرق ذلك عدّة سنوات لم يكن بإمكاني الاهتمام فيها بمجال الأدب شعرا وقصّة ورواية رغم شغفي به. إلاّ أنّي عدت للاهتمام بالأدب بمحاضرة قدّمتها عن الشاعرة زبيدة بشير في إطار التظاهرة التي نظّمها الكريديف عنها، وقدّمت قراءة نقديّة لكتاب «المقامات النويريّة» للأستاذ توفيق نويرة. وأشتغل حاليّا على إصدار جديد فيه دراسات نقديّة تهتمّ بأعمال متنوّعة أجناسيّا.
• ألا ترين معي أنّ النقد الأدبي والنقّاد في بلادنا تقلّص نشاطهم في العشريّة المنقضية؟
في الحقيقة أرى أنّ تقلّص نشاط النقد الأدبي في العشريّة الأخيرة هو تأثّر بتراجع الحركة الثقافيّة عموما فالشأن العامّ ولاسيّما التوجّه السياسيّ لا يشجّع الحركة الأدبيّة ولا يحفّز الأدباء والنقّاد على الإبداع ويؤدّي ذلك إلى تراجع النشاط تأليفا ونشرا. ولكنّ الجامعة لم تتخلّ عن دورها في تكوين باحثين في النقد الأدبي من شأنهم إعادة الألق إلى الساحة الأدبيّة.
• في المؤسّسات الجامعيّة اليوم عديد البحوث والدراسات حول الأدب التونسي في إطار الشهائد العلميّة (الكفاءة في البحث/ التعمّق في البحث/ الدكتوراه) فلماذا حسب رأيك لم يقع العمل على نشرها؟
مسألة النشر شائكة ومعقّدة والباحثون الشبّان لا يسعهم التكفّل بنشر أعمالهم بعد أن استنزف البحث العلميّ جهودهم وأموالهم القليلة فما هم إلاّ «باحثون في العراء» لا يسعهم إلاّ انتظار التعيين حتّى تتولّى كليّاتهم نشر أعمالهم إذ لا ينشر إلاّ لأساتذة المؤسّسة الجامعيّة مهما بلغت القيمة العلميّة للأطروحات في حين تتولّى مراكز البحث في دول تحترم العلم التكفّل بالباحثين الشبّان وتنشر أعمالهم وتتبنّى مشاريعهم الفكريّة. وأرجو أن يسترجع الباحث الأكاديميّ مكانته المرموقة في المجتمع.
• ماذا يمكن أن نعرف عن مشاريعك الفكريّة والأدبيّة في المستقبل؟
حاليّا صار البحث العلميّ في الدراسات الحضاريّة منفتحا على الظاهرة الدينيّة بشكل عامّ بالنسبة إليّ إلى جانب الاهتمام بالنقد الأدبي وقد ذكرت إجابة عن سؤال سابق أنّي أستعدّ لنشر إصدار جديد يتضمّن دراسات لآثار متنوّعة أجناسيّا في الرواية والمقامة والمجموعة القصصية وحتّى السيرة الذاتيّة.
• في الختام كيف يبدو لك المشهد الأدبي والفكري والثقافي عامّة في بلادنا بعد 2011؟
اتّسمت الفترة التي تلت الثورة مباشرة بطفرة أدبيّة وفكريّة نتيجة التحرّر من القمع الفكريّ والرقابة الشديدة التي كانت تسود حكم الدكتاتوريّة إلاّ أنّ فترة الحكم الإخوانيّ كان لها تأثير سلبيّ في المشهد الأدبيّ والثقافيّ عامّة فقد استأثر اهتمامهم بجلب دعاة ينشرون الدجل ويغسلون الأدمغة عوض تنوير العقول، وممّا عمّق الركود جائحة الكورونا التيّ أصابت الحركة الثقافيّة بحالة عطالة دامت لسنتين توقّفت خلالهما التظاهرات الفكريّة والثقافيّة التي تعتبر حافزا على الإبداع.