مسرحية «المتوحشون الطيبون» إخراج محمد سليمة ضمن أيام قرطاج المسرحية في السجن المدني بسليانة: المسرح فعل فلسفي وسؤال دائم

هل أن الإنسان خيّر ام شرير؟ هل أن الشر قيمة يولد بها الإنسان ام يكتسبها مع الوقت ومع تجارب الحياة؟ هل صراع الخير والشر لازال قائما

كما تقول الأساطير والحكايات القديمة أم أنه أصبحت له صيغ أخرى وبات الصراع غير معلن؟ هل يختار الانسان طريق الخطأ والشر؟ ام أن الصدفة أحيانا تلعب دورها؟ واسئلة فلسفية اخرى يبدع في طرحها مودعو السجن المدني بسليانة في عرضهم «المتوحشون الطيبون».
«المتوحشون الطيبون» منذ العنوان يحمل المخرج الجمهور الى عالم المتناقضات فكيف يكون المتوحش طيبا؟ أليس المتوحش دمويا ومخيفا؟ وكيف يصبح الطيب متوحّشا؟ أي قوة تلك التي تحول مساره من الخير والطيبة إلى التوحش؟ اهو الإنسان مثله؟.

ركح خال من الديكور، ضوء خافت وكأنها استدراج للمتفرج ليركز اكثر مع تفاصيل القصة، اجساد تحرك اقدامها بسرعة لصناعة موسيقى مميزة ستكون موسيقى العرض فأجساد الممثلين ستكون الديكور وتصنع موسيقاها أيضا بمفردها، في المسرحية تختلف الموسيقى وطريقة الحركة ولباس الشخصيات حسب المشاهد لكن الجامع بينها هو الغناء، لكل مشهد أغنية تتشارك المجموعة كانها «تنفيسة» عن وجع مكتوم او خوف مخبإ أو عرض يؤرق قبل تقديمه.

تختلف المشاهد والأحداث التي تدور في البحر، بحارة يريدون الخروج للبحر والصيد ويتظاهرون لأجل فتح أبواب البحر بعد إغلاقها، وهل يغلق امتداد البحر؟ لكنهم في المسرحية ارادوا جعل البحر كما السجن له حدود وأبواب وحراس يقررون متى يفتح الباب، تتصاعد أحداث المسرحية ويتبادل الممثلون الشخصيات من خلال تغيير طريقة الحكي أو التضخيم في الصوت فالمخرج ترك المساحة كاملة لمبدعيه ليحلقوا بخيالهم وأجسادهم وأفكارهم وشخصياتهم خارج الفضاء المغلق، ترك لهم المساحة ليعبروا، لينقدوا ويسرقوا الضحكة من وسط الوجيعة.

تتتابع المشاهد موزعة حسب القصة، تختلف طريقة السرد والتعبير بالرقص او الغناء، حلة من النشوة تسكن الممثلين أثناء أداء الأدوار وتتماهى مع الشخصيات المتعددة التي يجسدونها، فهم مرة بحارة ومرة اخرى صحفيين وثالث محام وقاض وموقوف، تختلف الشخصيات في اطار مسار نقدي للعديد من الحالات والظواهر الموجودة في المجتمع التونسي.

«المتوحشون الطيبون» عمل أراده المخرج فرصة لمبدعيه ليعبروا دون الحاجة للموسيقى او الديكور فقط الاضاءة تكون الفاصل بين المشاهد، ينتقلون من شخصية الى اخرى بسلاسة وسرعة، تتغير وضعية الشخصية ووقفتها وطريقتها في الحكي فالبحار لا يتحدث لهجة القاضي والقاضي يختلف اسلوبه عن السجين والسجين لا يستعمل نفس المعجم الصحفي، ليغوص الممثلون في دواخلهم ويخرجون زاد تمثيليا يبهر المتفرج ويشده لانتظار المشهد التالي، في المسرحية الكثير من النقد في البداية يسلطون الضوء على وضعية البحارة ومعاناتهم بسبب «النو» وتفاقهم الصيد العشوائي وكذلك ارتفاع البطالة، ما يعانيه البحارة هو ذاته ما يعيشه التونسي من مشاكل اقتصادية واجتماعية.

ينقدون القاضي غير المنصت لمرافعات المحامي ولا دفاعات الموقوف فقط ينظر في اكوام الملفات دون محاولة قراءتها بتأن، ينقدون المحامي الباحث عن عدد قضايا اكثر دون الانتباه لكل قضية والالتفات لذاك الانسان، تتداخل الاحداث وتطرح العديد من القضايا التي يعايشها التونسي.
«المتحوشون الطيبون» تشريح للمجتمع وللانسان، بحث فلسفي باجساد الممثلين في العديد من الهواجس التي تجمع التونسيين، محاولة للتحليق خارج الجدران وممارسة لقيمة الحرية ومعنى الانعتاق، مسرحية مسكونة بطاقة جميلة قدمت بحبّ امام جمهور اقبل لاكتشاف ما الذي سيقدمه المودعين على الركح، في «المتوحشون الطيبون» تجانس تام بين الممثلين، الحركة والصوت والمشاهدج، عمل يخترق الروح الانسانية وتدفع المتفرج ليقف امام مرآته الخاصة ويتساءل، هل انا طيب ام شرير؟ ام كليهما؟ والمسرح سؤال دائم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115