الحرية وبناء الحضارات ومقاومة الاستعمار وتطبيق شرع الله، الاسباب مختلفة والنتيجة واحدة حرب ودم وقتل واستنزاف للروح وللانسان؟ هكذا يتساءل المخرج الاردني فراس المصري في عمله «خط التماس» الذي عرض مساء الاحد 5ديسمبر في قاعة المونديال ضمن الدورة الثانية والعشرين لايام قرطاج المسرحية.
«خط التماس» انتاج فرقة المسرح الحر ونص لعلي عليان وتمثيل علي عليان ومرام ابو الهيجاء ويزن ابو سليم وسينوغرافيا محمد المراشدة و كوريغراف ان قرة ليان ومادة فلمية لأحمد فالح هو قصة الصراع بين الحياة والموت والتشظى الذي تعرفه الدول العربية والانسان العربي الباحث عن ملامح هويته.
تنتهي الحضارات ولكن الحرب متواصلة
من قصة هابيل وقابيل تنطلق الحكاية، حكاية إنسان يعشق الدم، يتلذذ سفكه تحت مسميات عديدة، ديكور بسيط على الركح فقط صندوق اسود صغير وباقة من الورود ودائرة كبرى تشبه القمر لتكون اجساد الممثلين وحركاتهم ديكور العرض، على الركح ثلاث شخصيات، رجلان وامراة، زوج وزوجته ومؤطره في رسالة الدكتوراه.
الطالب «يزن ابو سليم»يبحث في التاريخ ويحاول تقديمه بنظرته الخاصة للاشياء، يبحر في عالم الجماجم والموت ويستحضر اطياف الملايين ممن قتلوا في الحروب ويشتم رائحة الاوطان المسروقة والاراضي المغتصبة، يتامل النكبة وينتكس للنكسة، يعيد التمحيص في تفكك العالم العربي وتدمير المدمّر وتغريب المغترب، يمعن النظر في الاحصائيات فتتحول الجماجم الى قناديل تخبرهم بالحقائق المخفية، تاريخ مكتوب بالدم والخوف، تاريخ من الزيف والرياء يقدمه في رسالته اثناء نقاشها مع الاستاذ.
الاستاذ الملم بكل التفاصيل (علي العليان)، يدعي المعرفة المطلقة وحده من يملك كل حقائق الحروب بداية من داحس والغبراء الى حرب 67 ثم اختفاء محاربي داعش وكانه الحقيقة المطلقة سكبت في دماغه فهو رمز للكثير من المسؤولين العرب الذين يدّعون انهم الاوحد بمعرفة الصواب والاقدر على تسيير الدول، الاستاذ في المسرحية برتبة جنرال من خلال قميص موشى بالكثير من النجوم والشارات المتراصة في اشارة الى ديكتاتورية المسؤولين العرب وعسكرة الفكرة وطريقة الحلم، فلكل شيء حدود يمكن تطبيقها بقوة السلاح تماما كما يريد الاستاذ «سوف تموت رميا بالرصاص لأنك تكتب التاريخ بعاطفة» فالعسكرة والجنرالات كأنهم وحدهم يعرفون كل الخبايا والأسرار ويقدم الدور بطريقة تجمع النقد والسخرية وفي عوالم الكوميديا السوداء يسافر الممثل بشخصيته الجامعة لكل المتناقضات.
«خط التماس» مسرحية تنقد الواقع العربي، تشرّح أسباب التفكك، تضع تحت المجهر كل مشاكل البلدان العربية بداية من حرب داحس والغبراء الى سقوط الدولة العباسية بسبب تناحر الأخوة فحرب الخليج و العشرية السوداء في الجزائر فاحتلال فلسطين وتقسيمها أمام صمت الأخوة إلى حروب تقودها داعش في سوريا والعراق باسم الدين ، الى ثورات عربية مغلفة بطعم الحرية ومسكونة بروح الخراب، كل العلل التي عاشها المواطن العربي، رائحة الموت، وصوت الرصاص وازيز السكاكين، صوت انتشاء اب وهو يحتسي نبيذه الاحمر بعد هرسه لراس ابنته انتقاما للشرف، جميعها تدفع الى الوحدانية والفردية جميعها تخدم المستعمر باسمائه المتعددة.
«خط التماس» مسرحية تسخر من الواقع وتنشد أمل الوحدة بين الشعوب العربية، عمل يسخر من صراعات العرب وخصوماتهم المتتالية لأسباب واهية قبالة شبح «عودة الامبراطورية العثمانية» عمل يطرح قضايا الموت والتفكك وتاثيرها على الإنسان فالحرب تصنع فقط اشخاصا مشوهين فكرا وروحا بينما الوحدة يمكنها أن تصنع إنسان واع وعارف بقيمته في وطنه.
في قاعة المونديال التقى الجمهور مع عرض مسرحي يحاكي الواقع العربي اللحظي وما وصل اليه من تشظي وتناثر ويبحث في نقاط الالتقاء فلا يجدها، مسرحية ساخرة وموجعة تبحث عن خطوط التماس التي أصبحت مهدرجة في ظل واقع عربي متشرذم، مسرحية تقدم الوجع في قالب من حلوى الإضحاك في تناسق بين حركة الضوء وحركة الممثل والموسيقى لتكون السينوغرافيا الصوت الخفي الآخر الرافض لهذا الواقع.
المراة وحدها تستطيع صنع الربيع
بين الحب والحرب صراع أزلي لا ينتهي، بين رغبة الحياة والسعي للموت صراع منذ القديم، وبين الانثى الباحثة عن الجمال والذكر الراغب في الظلم قصص تكتب في مجلدات، هكذا هو الصراع بين ادم وحواء منذ البدايات كما تنقلها المسرحية، الشخصية الثالثة للعمل امراة، انثى حالمة (مرام ابو الهيجاء)، انثى عاشقة تؤمن بسحر القمر وقت اكتماله، انثى تريد البناء لا الهدم، انثى كما الحياة والسعادة والرغبة، انثى تريد طفلا جميلا كما الحرية، انثى تريده من رحمها ابنا متشبعا بقيم الحب كانه يولد من رحم الأرض.
الأنثى اقل صراخا وحضورا لكنها الأكثر تاثيرا، هي من يعدل كفة الحياة وموازين القوى تخوض حربها بهدوء، هي حواء ام النساء، عشتار الهة الحب، هي بابل امرأة ومدينة، هي القدس انثى وطن، هي مريم أمنا تغني أهزوجة الريح، هي جميلة بوحيرد وليلى خالد، هي المرأة الفلسطينية الصامدة مانحة الحياة والنور من ماء مقدس يهرب من السجون، هي انثى جامحة للحياة تحارب رجلا يبحث فقط في الموت ويحلله.
«خط التماس» مسرحية تنتصر للمرأة وتبرز قدرتها على النجاح في كل حرب تخوضها، فالمراة مانحة الحياة يصعب هزيمتها حتى وان كان خصمها «الحرب» فالحب سلاحها قادر على نصرها ونثر ثقافة الحياة وسط قتامة الواقع العربي.
مسرحية «خط التماس» لفراس المصري من الأردن ضمن أيام قرطاج المسرحية: خطوط التماس الكثيرة المهدرجة تشوّه الإنسان العربي
- بقلم مفيدة خليل
- 10:34 07/12/2021
- 1034 عدد المشاهدات
هل ستنتهي الحروب يوما؟ هل سينتصر الحب على الحرب؟ ام كتب علينا الموت والخوف والخراب تحت اسماء متعددة منها