يشبهنا ويعبّر عما يخالجنا» بهذه الكلمات يعبر طلال أيوب عن ايمانه بقدرة المسرح على التغيير ورغبته المتجددة في تمرير هذا الفعل المقاوم إلى الأجيال الجديدة بكل الحب والعزيمة.
مسرح مختلف يجتاح الشوارع ويملؤها ألوانا استطاع من خلاله حصد الجائزة الاولى ضمن فعاليات مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بمسرحية «خدّامة» إخراج وتأطير طلال أيوب وتمثيل: محمّد عزيز بطيخ، وئام الممّي، مريم سليم، درصاف بوقرة، نور إسلام النوالي، هدير الفلي، نادين شعبان، حمزة سليم، محمّد الوحيشي، محمّد الناصر بالغيث، محمد فراس القاتي، سارة سليم، ميساء الريماني. .
«خدّامة» عرض مسرحي يجوب الشوارع، هو صرخة حياة ودعوة ملحة للإنصات لمن هم تحت، صرخة مسرحية ضد التهميش و لامبالاة الكادحين، هي انتصار «للعامل والخدام» ذاك الذي يدفع الكثير من جهده النفسي والجسدي مقابل ملاليم قليلة تسد الرمق ولا تحفظ الكرامة.
في «خدّامة» يقع استعمال المسرح لتوجيه الضوء الى الكادحين الى من يسرق منهم الزمن اجمل سنوات العمر دون ان يكسبوا شيئا، الى من هم تحت خط الحلم و الامل الى اولئك الذين يعملون بصمت، يقاومون المرض والوجع والتعب فقط لكسب لقمة العيش، «خدامة» مسرحية تلامس الوجدان وتدغدغ القلب قبل العقل، تخترق الكلمات والوجوه الشاحبة نظرات المتفرج، تدفعه عنوة ليكون جزء من العمل المسرحي، هي المسرحية «الرجّة» عمل يلامس الانسانية الدفينة وينتصر للكادحين ليكونوا صوت الحق والحقيقة.
«خدّامة» تمكنت من الفوز بجائزة العمل المتكامل في مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، جائزة هي اعتراف بقدرة مسرح الشارع على التاثير في المتقبل، بلهجة تونسية استطاع الممثلون ايصال شيفرات رسائل عملهم، الموسيقى في المسرحية تتماهى مع مضمون العمل المقدم، المسرحية التي ولدت في الشارع ومن نبض مارّته وقدمت في الشارع بين تونس ومصر ربما تختلف الشوارع وصورها وجماليتها لكن النبض المواطني واحد و الرغبة في التغيير التي تسكن ممثل مسرحية «خدامة» ثابتة لا تتغير، هم مجموعة من الشباب الحالم بالتغيير عن طريق الفنون، قادهم الشغف الى رحاب جمعية «ابولون بقصر هلال» الهيكل المنتج لمسرحية خدامة ويؤطرهم استاذ مسرح مميز له احلامه الخاصة في هذا الفن العظيم، طلال ايوب المحب للمسرح مهنة وحلما استطاع ان يغرس في ابنائه الشغف بمسرح الشارع ودعوتهم ليكونوا جسدا واحدا اثناء العرض.
تتويج خدّامة هو اعتراف بقدرة المسرح على اكتساح الشوارع وجلب انتباه الاخر وهو رسالة تؤكد ان لمسرح الشارع دوره الفعال وهو ضرورة وليس ترفا، من خلال مسرح الشارع يعبر طلال ايوب وابناؤه عما يسكنهم من وجع تجاه «الكادحين» يهدون افكارهم وابداعاتهم الى من سرقت امالهم وأجهضت أحلامهم امام قسوة الحياة وعنتها، ينجزون فعلا ابداعيا ينتصر للانسان ويعبر عن قضاياه واولها الحق في حياة كريمة والحق في الدواء، موضوع مسرحية خدامة ليس حصرا على العامل التونسي فهو يمكن اسقاطه على كل الكادحين في البسيطة، وكل العاملين في ظروف مأساوية مزرية في المصانع التي لا تحترم الانسان ولا تهتم بكرامته، هي دعوة للأجير ليكتب ثورته بدمائه، دعوة للخانعين ليرفعوا اصواتهم عاليا وينشدوا نشيد الحرية، نداء متكرر لاصحاب المصانع للالتفاف الى العملة وتوفير ابسط حقوقهم، رسالة نداء حياة متكرر يقدمهم الممثلين لكل المنظمات الشغيلة لتدافع عن الكادحين والعمال دون الاكتفاء بالبيانات والبلاغات الرنّانة.
«خدّامة» مسرحية تونسية انسانية، من محيط ضيق تنطلق الأحداث لكنها تلامس الوجع العمالي العالمي، «خدّامة» مسرحية ناقدة ومشاكسة تتوزع فيها الادوار على كل الممثلين لينطقوا بوجع الشخصيات يتبادلون الامكنة وطريقة التعبير، للغة الجسد حضورها، الاكسوارات قليلة لان للنص سيطرته الكاملة على العمل، هي نبش في الذاكرة الجماعية للمهمشين والمعدمين، كتابة مسرحية لوجع مخفي وطريقة تعبير مغايرة عن هموم البسطاء تنطلق من الشارع واليه تعود، هي محاولة لترسيخ ثقافة الفرجة في الشارع والتأسيس لمسرح حقيقي يلامس هموم المواطن ويعرّفه بحقوقه الاقتصادية ويذهب الى المتفرج اينما وجد، مسرح الشارع الثورة الحقيقية في المسرح التونسي بعد الثورة، فعل فني وإنساني هاجسه الاول المواطن وترسيخ قيم المواطنة والدفاع عن مدنية الدولة وقوانيها، فعل ابداعي ونحت في الوجع الجماعي تمكن من الحصول على جائزة العمل المتكامل، تتويج لجمعية ابولون بقصر هلال التي لازالت تدافع عن مسرح الشارع كفعل نقدي حرّ.
تتويج: مسرحية «خدامة» لطلال أيوب تحصد الجائزة الكبرى في مهرجان شرم الشيخ
- بقلم مفيدة خليل
- 09:14 13/11/2021
- 995 عدد المشاهدات
• مسرح الشارع فعل نقدي حرّ
ليست للحلم حدود، ليست للمسرح نهاية وكلما وصلنا الى غاية زادت طموحاتنا لننجح اكثر ونحلق باحلامنا ونصنع مسرحا