في رحلة عبر الزمن لتعود به الى زمن الطرب والأغنية الجميلة كلمة ولحنا في عرض مبهر قدمته على ركح المركز الثقافي محمد معروف بسوسة ضمن فعاليات اكتوبر الموسيقي.
على الركح اجتمع ثلة من امهر العازفين وهم المايسترو كمال العباسي على البيانو ومحمد امين عايدي على القانون والكنترباص شوقي كفاية وحسين ميلود ناي وعطيل معاوي كمنجة وشهاب النوري ورامي زغلامي ولطفي صوة على الايقاعات.
درصاف حمداني صوت يعانق سماء المتعة
درصاف حمداني صوت من السماء فنانة تونسية لها بصمتها الخاصة في الغناء، درصاف تغني بالحب وللحب، تونسية عاشقة للأغنية الطربية، تسعدك وأنت تنصت إليها بصوتها المنسجم مع إيقاعات الكمنجة وشدوها تحمل محبيها إلى عوالمها المقدسة أين تكون الموسيقى سيدة المكان والزمان.
في رحاب الكلمة الجميلة تألقت، في بهاء النوتات رقصت وصدحت بصوتها عاليا، غنت للحب، للوصال للجمال ولتونس التي تحب، في عرض موسيقي تونسي الروح طربي النغمات راقصت درصاف الحمداني الألحان كفراشة تراقص زهور الربيع، تألقت بفستان اخضر جميل وبدت كطفلة تلاعب الكلمات لتمتع جمهورا تعطش إلى صوتها وحضور العروض الموسيقية المنقطعة منذ عام ونيف بسبب جائحة «الكورونا»، على ركح المركز الثقافي محمد معروف بسوسة غنت وصلت في هيكل موسيقاها المقدس وقدمت تراتيل الحياة الى جمهور شغوف بالموسيقي والكلمات الجميلة.
«محلى ليالي اشبيلية» بها انطلق حفل درصاف الحمداني، إيقاعات اندلسية رافقها تماهى كمطلق من الجمهور والحمداني التي راقصت الإيقاعات وغازلت النوتات وصدقت أثناء الغناء، لام كلثوم وفيروز ووردة حملت جمهورها ليعايش ساعتان من الصدق والغناء الطربي الممتع، ساعتين من تألق فنانة تونسية لها صوت قوي وإحساس جميل بما تقدمه لجمهورها على الركح، الحمداني تألقت في عرضها وكانت صادقة وعاشقة للغناء وللحضور وللعودة إلى المسارح لتشارك محبيها إحساسها وأغانيها.
شامخة على الركح كنخلة تعانق السماء، تزين محياها بضحكة كما اللؤلؤ، توزع نظرات الحب على كل من في القاعة، هادئة حينا وجموح أحيانا هكذا كانت الحمداني في عرضها سيدة المكان وسيدة الأغنية في عرض موسيقي موشى بالطرب، تونسية بهية معتزة بتونسيتها وبوطنها الجميل الذي تراه فقط يصلح للحب والغناء والجمال كما قالت، لجمهور اقبل بأعداد غفيرة لينصت لها غنت ورقصت وشاركته كل تفاصيل العرض، درصاف الحمداني كانت كشامة على الركح مميزة ومضيئة، كأنها نوتة عشق هربت من بين دفتي كتاب لتلون الفضاء بصوتها الجميل وحضورها البهيّ.
العازفون سادة الأمل وناثرو المتعة
تونس ولاّدة، جميل هذا الوطن الصغير بما ينجب، تونس ارض للحياة ومن رحمها تولد أجمل الأحلام، في عرض درصاف الحمداني بسوسة صحبتها فرقة من امهر العازفين التونسيين، أساتذة أحبوا الموسيقى وشغفوا بها فدرسوها ليصبحوا كما النجوم المتلألئة يوزعون الأمل كلما عزفوا.
في رحاب الإيقاعات الموسيقية الجميلة انطلقت السهرة الممتعة، المايسترو كمال العباسي يغازل الة البيانو ويكتب معها سير الأولين، يخرجها من عوالمها الكلايسكية لتعزف ايقاعات تونسية ومشرقية تغري بمزيد الاستماع، للكمان سحره وغنجه وفي العرض أبدع الاستاذ عطيل معاوي على الة الكمنجة، التي صنعت نوتات كما ضحكات الأطفال وشهقات العاشقين، كمال معاوي يعرف أن الته الصغيرة كنز من النوتات والأحلام فتتح أبوابها تدريجيا ليغري الجمهور بشغف ويشده الى ايقاعاته الرقيقة والجميلة، وللناي سحره فهو سيد الوجع والحب، بكل الحب عزف حسين ميهوب وهو من امهر عازفي الناي في تونس، ميهوب له إحساسه العالي بالته تلك يلاعبها كابته او حبيبته، ينصت جيدا لصوتها ويعاملها بقدسية، صوت الناي يحاكي الوجع المكتوم في القلوب هو يدغدغ الذاكرة لتشرع نوافذها وتحكي عن قصص عشق الاولين ووجع الفراق ومتعة اللقاء التي تغنيها درصاف جحمداني في اغاني وردة وام كلثوم.
لازالت المتعة الموسيقية متواصلة، ولازال للاساتذة مايقولونه بعزفهم المنفرد بين الاغاني، كل يقدم صولو ينسي المتفرج في بقية الالات والايقاعات، في المسرح اجتمعوا على حب الموسيقى والسموّ بها الى مصاف قدسي جمنيل، لكل سحره في التعامل مع الته الموسيقية التي تشبهه اما في هدوئها او جنونها، الى جانب الناي الة اخرى تميزت منذ الازل يايقاعاتها الحزينة والحالمة، الة تتماهى دوما مع كلمات الشوق والاحلام البعيدة ، الة القانون بموسيقاها التي تدغدغ القلب وتعانق الروح يلاعبها بشبق محمد امين عايدي ليتماهى معها ويكونا روحا واحدة وخلجات قلب موحدة.
توسطت الركح الة كبيرة الحجم لكن نوتاتها تشبه احلام الاطفال الصغار وضحكاتهم الجميلة، الة الكونترباص التي يعانقها الاستاذ شوقي كفاية كانت كما الفيصل بين الاغنية والعزف المنفرد، شوقي كفاية ابدع في العرض في صولو ثنائي بين الكونترباص والبيانو، موسيقى كلاسيكية بروح مشرقية ترحل بالحضور الى عالم تنتفي فيه الحدود بين الزمان والمكان، فقط الموسيقى الرقيقة تصدح عاليا باسم الحب.
للايقاعات حضورها فهي من اساس الموسيقى، لا يمكن انجاز عرض موسيقي دون ان تحضر تلك الالات الصغيرة صاحبة الاصوات المختلفة، في العرض عزف شهاب النوري الدربوكة ورامي الزغلامي على الدف وثالثهم من امهر عازفي الايقاعات في تونس، استاذ متمكن وفنان مجنون بما يقدم هو لطفي صوّة الذي كلما حضر ابهر الجمهور بابداعاته وكلما عزف حدث تماهى عجيب وتماس روحي موسيقي بين ايقاته الصاخبة وايقاعات حسين ميلود السحرية على الة الناي ليكونا ثنائي عجيب كلما كانا على الركح معا.
لساعتان من العزف والموسيقى، ساعتان من ابداع تونسي يثبت ان هذه الارض فضاء للحلم والحب، وتونس ولادة بفنانيها ومبدعيها وكل من ينثر فيها زهور الامل والجمال لتزهر موسيقى وحياة.