ينثرون الأحلام أينما مروا، زادهم الفعل المسرحي وسلاحهم الدفاع عن أبناء الريف في الثقافة.
هكذا هي ملامح تظاهرة circuit théâtre التي ينظمها مركز الفنون الركحية والدرامية بسليانة في المدارس الريفية. انفتاح على الفضاء التلمذي ومحاولة لايصال الثقافة الى الجمهور اينما وجد، فتح لنوافذ الحلم بالمسرح اب الفنون.
فلنحلم ولنصنع من الخيال عالم فريد
تكتب الرياح سيمفونية الغضب، زخات المطر تزين الطريق ووقعها على بلور سيارة الاجرة يصنع موسيقى خاصة، من «باب عليوة» الى سليانة، ساعتان من الزمن، ساعتين من السؤال عن العرض المسرحي وكيف ستكون الأجواء في التظاهرة، تونس فزغوان والمرور ببئر مشارقة والفحص و»كدوة الشعير» وام البيضة و«قليب الجمل» والمقاطع والقطايرية واغلبها قرى ريفية تنتظر دورها في السياسة الثقافية، ثم لافتة «سليانة ترحب بكم بعدها لافتة «سيدي زيد زيدة» اسم غريب لكنه ليس اكثر غرابة من واقع اطفال ينتشرون طيلة الطريق يبيعون «البرقوق» و»خبز الطابونة» وبعضهم بميدعة المدرسة.
بعد ساعتين من الزمن تنطلق الرحلة الثانية من سليانة المدينة باتجاه مدرسة وادي الرمل، طريق اخرى تزينها الغابات والنساء جامعات «الزقوقو» يعرضن محاصيلهن، بعض الرجال يجتمعون في «حانوت مرزوق» محملين «بزنبيل» من تلك الثمرة البرية، بعدها «الملكش» اين توجد مقاطع الرخام، ف»سند الحداد» فالسفينة والنساء يتحلقن حول «السبالة العمومية» لملء الماء، لازالت الطريق الجبلية الملتوية تغري بمزيد الفرجة، طريق تشبه فيلما سينمائيا لما تضمه من تقاطعات طبيعية جد مدهشة، بعدها يكون الوصول الى معتمدية مكثر ليتبقى فقط عشر كيلومترات عن منطقة «بني حازم» اين توجد المدرسة الابتدائية «وادي الرمل» التي افتتحت في سيبتمبر 1980.
ساعة من الزمن تفصل سليانة عن المدرسة، طريق ريفية، رعاة منشغلون بشياههم، وآخرون توجهوا الى المدرسة لاكتشاف الحدث، كل التلاميذ اصطفوا ينتظرون العرض المسرحي، تلك اللهفة في العيون والضحكات الصادقة تعجز الكلمات عن نقلها، في وادي الرمل كان اللقاء مع أطفال متعطشين للفن للغناء وللحياة، في المدرسة قدم التلاميذ النشيد الوطني «رددوا نموت نموت ويحيا الوطن» بكل شغف الاطفال وحبهم لمدرستهم يقودهم مدير يؤمن ان بقدرة ابنائه النجاح والتميز متى سنحت الفرصة.
في مدرسة وادي الرمل تكتشف بشاعة السلطة فهناك اطفال يرغبون في ممارسة الفعل الابداعي، بعضهم يتقن الغناء واخرين يحبون الكتابة وفريق ثالث يهوى التصوير لكن الدولة تناستهم، هناك يقبل التلميذ على العلم دون توفر وسيلة نقل مريحة تقلهم من قريته الى مدرسته الريفية أيضا، عطش الأطفال للفرجة كان جليا وطريقتهم في التعبير عن إعجابهم بالمسرحية وتماهيهم مع شخصياتها كان تلقائيا وموجعا.
في مدرسة وادي الرمل عانق التلاميذ لاول مرة عرضا مسرحيا، لاول مرة يشاهدون ممثلين وشخصيات وديكور وموسيقى تعزف امامهم، في المدرسة الريفية البعيدة عن المركز كان اللقاء تلقائيا وحميميا جمع ممثلين محترفين وتلاميذ ومعلمين متشوقين للفرجة والمتعة فكان اللقاء مشحونا بطاقة من الحب والخيال رغم برودة الطقس وسيمفونية الرياح الهادرة الغاضبة على سياسة التهميش التي يعيشها اطفال هذه القرية البعيدة عن المركز.
مسرحية «يد بيد» دعوة للحلم والخيال
من صفاقس جاؤوا محملين بحب المسرح، ليقدموا مسرحية «يد بيد» اخراج الياس اسماعيل وانتاج مركز الفنون الركحية والدرامية بصفاقس هي رحلة الى عوالم الحلم، رحلة فنية تشجع الطفل على الخيال عن نص لمحمد صالح عروس وتمثيل نتيجة حراث ومحمد نجم الدين بلغيث وعمر بن سلطانة وامير بالاسود وايمن خبوشي وحمدي عبد الجواد وماكياج لسعيدة الحامي وتوظيب ركح لخضر عبيد وموسيقى محمد رجوان نصر، مسرحية تحفز الطفل ليحلم ويصنع عوالمه العجائبية كما يريد، في بهو مدرسة وادي الرمل من منطقة بني حازم معتمدية مكثر ولاية سليانة قدم العرض أمام جمهور من التلاميذ المتعطشين للإبداع.
«يد بيد» تجربة مسرحية كتبت بروح طفولية في داخلها يجتمع البعد العجائبي والجانب النقدي، في الجانب العجائبي يجتمع المهرج واتقن الشخصية جيدا الممثل حمدي عبد الجواد وبينوكيو الدمية الخشبية اداها عمر بن سلطانة، شخصية مركبة اتقن بن سلطانة تفاصيلها ليبدو وكانه خشبة حقا (هذاكا انسان او لعبة) كما علق احد الاطفال وأليس التي تخرج من عالمها العجيب (نتيجة حراث) لتشارك بينوكيو والمهرج الرحلة الى مدينة الالعاب، ثلاثتهم يجتمعون في عالم عجائبي ويحاولون تغيير العالم ليصبح اكثر بهجة ويزينونه بالحب والاحلام.
في الجانب النقدي فالمسرحية تحاول ان تسكن الطفل عوالم الخيال تدعوه الى الخروج من ادمان التلفاز، من خلال نقد شخصية مخيفة ومضحكة «باهر الماهر» (نجم الدين بلغيث) في العمل ينقدون البرامج التلفزية المسجلة التي تساهم في تلبيد ذهن الطفل ولا تحفزه على التفكير، برامج مقولبة تقدم نفس المسابقة ونفس الموسيقى و الافكار التقليدية ذاتها، التلفاز يزعج المهرج الفنان ويقرر صحبة «بينوكيو» و «أليس» تغيير البرمجة التلفزية ليقدموا موسيقى تمتع الطفل وعروض عرائسية ودمى موشاة بالألوان، وككل عمل للطفل توجد العقدة في العمل وهي المغامرة التي سيخوضها الثلاثي ليصبح العالم أجمل وتعود فكرة الخلق والابتكار الى الاطفال.
«يد بيد» مسرحية تجمع بين الخيالي والواقعي، عمل قدم في ظروف صعبة للغاية، لاوجود للإضاءة كذلك ضيق المساحة لم يسمح بوضع كامل الديكور، ضيق مساحة اللعب ايضا بسبب تهافت الاطفال للقرب اكثر من الممثلين، في المقابل قدم الممثلين عرضا مميز للغاية استغنوا تقريبا عن كل المؤثرات واغلب الديكور وتركوا المساحة لذاتهم المسرحية ليتقنوا شخصياتهم ويتشاركوا مع الاطفال في متعة اللقاء والمسرح.