المنظومة المجتمعية، على الركح تتخلى الارواح عن كل المكبلات لترحل الى عوالم النقد دون خوف او وجل هكذا هي مسرحية «دولاب النار الباردة».
المسرحية من كتابة واخراج لحمادي المزي وتمثيل يحي الفايدي ونادر بلعيد ومروان الميساوي وانس الهمامي وصالح الظاهري ورامي الشارني و توضيب الصوت والإضاءة فهو لمحمد رشاد يلحم وملابس ليلى بوعزيزي وتصوير فيديو عبد القادر التازركي بمساعدة مريم عزيز وعرضت المسرحية ضمن فعاليات مسارات المسرح بالمهدية.
للنقد طرق متعددة أهمها المسرح
المسرح نقد، المسرح صرخة ضد كل الوان الخوف واشكال التمييز المجتمعي والسياسة، على الركح تتحرر الأجساد لتكتب إلياذة للحرية من جديد هكذا هم الممثلين في «دولاب النار الباردة».
محور البحث المسرحي عائلة، متكونة من أفراد مختلفين في طريقة العيش والفكر والشعائر والمعتقدات الجمعية، صوت الطبل يعلن عن بداية العرض،محاولة لدغدغة الأذن الموسيقية الجماعية للتونسيين، الطبل رمز الفرح و «الفزعة» وموسيقاه عنوان للإنذار من الخطر أيضا، ترقص الأجساد على الإيقاعات وتنتقل بخفة على الرّكح وكأنها تسارع الوقت والموسيقى، لا وجود لديكور فقط حبلين وبضعة ستائر تتحول حسب المضمون الدرامي وسيرورة الأحداث.
هم أنموذج من المجتمع التونسي بكل تناقضاته الداخلية واختلافاته الخارجية، عائلة «جبريل» أبناؤه وزوجته وشقيقه هم محور الفعل المسرحي، «جبريل» الصاعد في سلم الأموال بطريقة غير شرعية، «دولاب النار بارد» هو عينة عن تونسيين يطوعون القانون ورجالاته لخدمة مصالحهم المالية الخاصة، هو لبنة في سلم طويل عنوانه «التهريب» والعمل غير الشرعي ويحاول جبريل ان تنخرط كامل المنظومة العائلية في أعماله غير القانونية.
المسرح يعري قبح المنظومة المجتمعية، ومنها السياسية، الفساد مستشر في العائلة في المجتمع والدولة، خيانة الأمانة وتجاوز القانون والبحث عن الربح السريع على حساب القانون والمنظومة جميعها تنقل على الركح بكل حرفية يقدمها ممثلون تشبعوا بحب المسرح وحوّلوه إلى طاقة تلهمهم الكثير من الإبداع.
تتداخل أطراف الصراع والحياة، تحوّل الواقع إلى عمل مسرحي تتكاتف فيه إبداعات الممثلين مع الإضاءة والسينوغرافيا، صراع بين الحياة ونقيضها، العم سلفي يؤمن بتطبيق شرع الله، يريد فقط اللون الأسود هو أنموذج لكارهي الحياة وباعثي الخراب، يقابله شقيقه «جبريل» المقبل على الحياة بكل مغرياتها، يهوى العمل اللاّقانوني يعمل في التهريب ويحب الألوان والحياة، والأم مريم» أنموذج للمرأة المتحملة لمشاق الحياة ومصاعبها تبحث عن سبيل لرعاية الجميع والحرص على نجاحاتهم، «مريم» كما تونس تتحمل جراح الأبناء وتناقضاتهم وأحلامهم، تريدهم الانجح رغم السواد والخراب.
أجساد الممثلين تصنع ترياق العرض
يخنقنا الواقع ليكون المسرح مطية للتصعيد والتنفيس، تتداخل المشاكل المجتمعية والاجتماعية فيصبح الركح طريقا لمعرفة الحقيقة من الأوهام، في عالم مشحون بالخوف والنهب والانتهازية تدور أحداث المسرحية التي قدمها ممثلون شغوفون بالفعل والابداع.
هم عماد الفعل المسرحي، يمكن أن يرتجل النص كذلك بالإمكان الاستغناء عن النص لكن الممثلين ووجودهم هو الركيزة الأساسية لنجاح الفعل المسرحي وفي «دولاب النار الباردة» عول المخرج على طاقات إبداعية شبابية لتنقل فكرته وحلمه إلى واقع وتضعه على الرّكح.
ممثلون شباب يطوعون أجسادهم لتكون سلسلة كما كلمات النص المنطوق، طاقة إبداعية رهيبة على الرّكح، رامي الشارني يجسد شخصية ممثل شاب يحلم بانجاز مسرح يشبهه، على الرّكح يخرج كل الوجع الذي يسكن الشخص والشخصية، الشخصية تريد انجاز مسرح ينتصر للإنسان وينحاز لأحلام الشباب فيصطدم بواقع رتيب وبيروقراطية مرعبة فيتوه بين اللجان والوزارات والدعم و الجمعيات، تتشظى الروح وينقل الشارني هذا التشظى بالرقص فهو فنان متلون ينتقل من الرقص إلى التمثيل بسلاسة الأطفال وشغف الكبار للإبداع.
يقابل ذلك ممثل متميز هو صالح الظاهري الذي يجسد شخصية لاعب كرة قدم، الظاهري ينقل جزءا من هموم الكثير من الشباب التونسي الحالم بالثروة والشهرة عن طريق «الكرة» فهي الطريق الأسهل للنجاح عند الكثيرين، الظاهري ممثل متمكن من شخصياته، يتقن أداءها ليكون ممثلا مختلفا يصنع عوالمه المسرحية المتمردة التي تشبه شخصيته.
في «دولاب النار الباردة» تجتمع طموحات الشباب بخبرة ممثل يعرف الركح جيدا، ممثل له طاقة عجيبة في تغيير وجهة العمل وإقناع الجمهور، حضوره مبهج ويفتك الضحكة من المتفرج، يحى الفايدي في شخصية «زكرياء» الأمني الحالم بالترقية بعد القبض على العصابة والعودة إلى عمله، في العمل تتشابك الحكايات والقضايا، تتلاحم الهواجس الاجتماعية والسياسية والقيمية لتقديم نص مسرحي مسكون بالوجع والنقد.
«دولاب النار الباردة» إخراج حمادي المزي ضمن مهرجان مسارات: المسرح صرخة ضدّ الانتهازية والفساد
- بقلم مفيدة خليل
- 10:13 28/09/2021
- 688 عدد المشاهدات
المسرح فضاء للنقد والمشاكسة، على ركح المسرح تتجرأ الأجساد على كل المحظورات وتتجرأ الأفكار لتعرية قبح السياسيين وبؤس