في المقابل يتواصل الحلم بالابداع والذي تقابله عراقيل كثيرة.
فهل يبدع الجائع؟ هل يبدع من يعوزه ثمن الكراء ومصاريفه اليومية؟ هل يبدع من بطنه خاو وفكره مشتت ؟ حتما لا، ولكن الوزارة تواصل دفع مبدعيها الى خانة الجوع ووضعهم في ركن الاهمال بعد ابطائها في خلاص مستحقاتهم المادية.
فن الحياة يعاني من الاختناق بسبب سياسة المماطلة
الضحية الجديدة فضاء «فن الحياة» لصاحبه احمد النصرلي بالقصرين، فضاء ثقافي خاص ولد من احلام مبدعين شباب يؤمنون برسالة المسرح وقدرة الفن على التغيير، يسكنهم امل ان للمسرح وقدرته على انقاذ الاطفال من الدمغجة والشارع وتعليمهم ابجديات الحياة، قادتهم احلامهم الكبرى لافتتاح ثقافي شعاره «اصنع فنك» ولكن «فن الحياة» هو الاخر يعاني اختناقا شديدا يصعب معه التنفس او التفكير في الامل بعد المماطلة وطول انتظار خلاص العروض السابقة، اشهر من الانتظار «نحن لم نطلب منحا او منّة، نحن فقط نطالب بخلاص مستحقاتنا المادية، انجزنا العروض ولازلنا ننتظر خلاصها لنستطيع ممارسة مهنة المسرح اليومية» كما يقول نصرلي مضيفا «من السخرية ان الوزارة ارسلت لنا برنامج عروض جديدة دون ان نتحصل على خلاص العروض السابقة، فكيف سنعمل؟ هل نستعمل بساطا سحريا للتنقل؟».
«فن الحياة» فضاء ثقافي يشغل مجموعة من المبدعين والحالمين، فضاء هو قبلة الاطفال يتعلمون ثقافة الامل والحياة، فضاء ثقافي خاص في مدينة تعيش كثافة سكانية عالية وتهميش منذ سنوات، مدينة القصرين اين يوجد الفضاء يحتاج اطفالها للفنون ليعبروا عن انفسهم، فالثقافة هناك ضرورية وليست من الكماليات، ضرورية ليتعلم الطفل كيف يحمي نفسه واحلامه من خطر التهميش واللامبالاة وفن الحياة وجد ليكون رافدا للحياة فهاهو الاخر يعيش سكرات الموت.
«فن الحياة» مهدد بالغلق بالقوة العامة بعد ان «وصلنا محضر من قبل عدل منفذ بوجوب اخلاء المحلّ في صورة عدم خلاص ثمن الكراء، وهو الفضاء الثاني الذي نتسوغه بعد ان اضطررنا لترك الفضاء الاول لنفس السبب، نحن مهددون بالطرد ووزارة الشؤون الثقافية لازالت صامتة امام مطالبنا» حسب تعبير الفنان المسرحي احمد نصرلي وقد اعتصم كامل العاملين بالفضاء ليومين في القصرين قبل اتخاذ القرار بنقل الاعتصام الى مقر وزارة الشؤون الثقافية «نريد فقط حقوقنا، خلصونا لنستطيع العمل والحياة».
بين الاحلام والواقع بون شديد، بين الحلم بانجاز فعل مسرحي بديل وتقديم العديد من الورشات في المسرح والموسيقى لاطفال الهامش والمنح المادية المرصودة للفضاءات الثقافية فرق شاسع ومعاناة كبيرة ممن تحملوا مسؤولية انجاز فضاء ثقافي، فن الحياة حلقة من مجموعة من الفضاءات الثقافية الخاصة التي تعيش حالة مادية جد صعبة بعد عامين من البطالة الاجبارية بسبب الجائحة والانتظار الطويل للحصول على مستحقاتهم المالية امام تجاهل السلط الجهوية لهذه المشاريع الابداعية، معاناة بين عدم الخلاص وعدم القدرة على توفير ابسط حاجيات العمل اليومي مع سياسة التسويف تجعل المسرحيين خاصة في خانة الانهاك النفسي والفكري للبحث عن حلول.
«فن الحياة» فضاء ثقافي جمع مبدعين من كامل الجمهورية في مشاريع مسرحية تؤمن بالانسان، فن الحياة مهدد بالغلق ومبدعيه بالبطالة، فن الحياة بعث ليقاوم التصحر الثقافي والتهميش ويقدم مادة ابداعية للاطفال ليجد نفسهم يقاوم المماطلة الادارية والبيروقراطية المرهقة للفكر والفن، وجد الفضاء ليكون حاملا لهواجس الاطفال والحالمين فوجد نفسه حاملا لثقل الديون والقرارات الارتجالية من قبل سلطة الاشراف المركزية.
الفضاءات الثقافية الخاصة: احلام مؤجلة
«فن الحياة» حلقة من سلسلة كبيرة عنوانها معاناة الفضاءات الثقافية ، في القصرين ولسنوات عانى المسرحي وليد الخضراوي من مماطلة الادارة والبلدية قبل الحصول على عقد كراء لفضاء سينما الشعانبي الذي حوّل من خرابة مهجورة الى قاعة مجهزة وجميلة، «فن الحياة» في القصرين و «ارسطوفانيس» في وادي الزرقاء و«المسرح الصغير» بمدنين و«وطن ببني خداش» هي احلام مؤجلة او مشاريع مجهضة امام سياسة التسويف والبيروقراطية الادارية.
فالفضاءات الثقافية النابعة من حب اصحابها للفن وايمانهم بدوره الضروري في المجتمعات تواجه العديد من الصعوبات اولها مشكلة التسويغ فكم من فضاء انطلق في العمل وبعد انتهاء العقد طلب منه صاحب المكان الاخلاء ورفض تجديد العقد، الفضاءات تواجه مشكلة الدعم رغم قدرتها على جلب الرواد وقربها من المواطن وتوفيرها لمادة ثقافية تحترم عقل الطفل والشباب الا انها مشاريع مهددة بالموت لاسباب ادارية ومالية بحتة.
الفضاءات الثقافية الخاصة العاملة على ثقافة القرب وتشريك المواطنين في الجانب الابداعي والاجتماعي، سبق لها أن كانت موضوع نقاش بين النقابة الحرة للفضاءات الركحية المستقلة ووزراء الثقافة المتعددين وفي تصريح سابق لـ«المغرب» اكدت الراحلة زينب فرحات التي كانت مشرفة على النقابة انه وقع الاتفاق مع شيراز العتيري الوزيرة السابقة على حصول اصحاب الفضاءات على محلات مهجورة تكون على ملكية الدولة وتحويلها لفضاءات ثقافية، هو اتفاق من جملة اتفاقات عديدة وقعتها النقابة مع الوزراء ولكن كلما تغير وزير تغيرت معه سياسة العمل ووجب انجاز اتفاقات جديدة ووعود متجددة فهل سيحلّ مشكل الفضاءات الثقافية ام سيضطر اصحابها لقتل احلامهم اجهاض مشاريعهم الابداعية قبل ان ترى نور الحياة والفن؟.