إصدارات: في كتاب جماعي من تنسيق عبد الكريم قابوس: الحركة الطلابية في الجامعة التونسية - مارس 68 - الأسباب و التداعيات

قبل تقديم هذا الكتاب وعنوانه «الحركة الطلابية في الجامعة التونسية ـ مارس 68 ـ الاسباب و التداعيات» أود الٍاشارة ٍ الى ملاحظتين.

الاولى أنه من حسن الحظ أن يقع تقديم الكتاب في قليبية (يوم 26 أوت 2021 في جمعية صيانة المدينة) حيث أنها مهد محمد بن جنات وهو شخصية رئيسية في هذا الكتاب. وبالتالي فهي فرصة لأبناء قليبية للتعرف أكثر على تاريخ هذا المناضل الكبير اٍبن مدينتهم والملاحظة الثانية بصفتي اٍبن الهاشمي الطرودي أحد منظّمي أحداث 68 و اٍبن حورية بن جنات أخت محمد بن جنات فقد وجدت في هذا الكتاب تفاصيل و معلومات جديدة اٍضافة اٍلى وثائق مهمة عن تلك الفترة ويسعدني بالتالي أن أقوم بتقديمه. 

• الكتاب ومحتوياته
يجمع الكتاب فعاليات ندوة اٍنتظمت يوم 15 مارس 2018 في كلية العلوم الٍانسانية و الاجتماعية بتونس تحت عنوان «الحركة الطلابية 68 بعد 50 سنة «. هذه الندوة اقترحها الأستاذ عبد الكريم قابوس و المناضل المرحوم صالح الزغيدي الذي غادرنا شهرا بعد انعقادها. و قد لاقت الفكرة ترحيبا و مساندة من طرف كلية العلوم الانسانية والاجتماعية ومكتب التعاون الآكاديمي لمؤسسة روزا لوكسمبورغ. يحتوي الكتاب على نص المداخلات والشهادات التي قدمت خلال الندوة اٍضافة اٍلى مجموعة كبيرة من الملاحق و الوثائق باللغتين العربية و الفرنسية. وقد تم اٍصدار الكتاب في سنة 2020 بتنسيق عبد الكريم قابوس و نشر مكتب التعاون الآكاديمي لمؤسسة روزا لوكسمبورغ و هو يحتوي على قسمين قسم باللغة العربية جاء في 178 و قسم باللغة الفرنسية احتوى على 195 صفحة باللغة الفرنسية.
ينقسم الكتاب اٍلى 3 أجزاء حيث احتوى الجزء الأول على نصوص المداخلات التي قدمها ثلاثة باحثين مختصون في التاريخ المعاصر سعى فيها أصحابها لوضع أحداث 68 في اٍطارها التاريخي و هذه النصوص هي: تونس قبل محاكمة 1968 للأستاذ الهادي جلاب مدير الأرشيف الوطني وجاء النص الثاني تحت عنوان حركة مارس 68 بالجامعة التونسية الاسباب و التداعيات للمؤرخ عبد الجليل بوقرة والنص الثالث تحت عنوان : في تونس تعلمت السياسة وهو للدكتورة رشيدة التريكي وركزت فيه على دعم الأستاذ و الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو للحركة الطلابية و تأثّره بها عندما كان مدرّسا في تونس حينئذ .
وقد احتوى الجزء الثاني من الكتاب على سبعة شهادات لفاعلين و منظمين لأحداث 68 ومنهم خميس الشماري وصالح الزغيدي و هشام سكيك و غيرهم أما الجزء الثالث فقد ضم ملفات و ملاحق أضيفت اٍلى متن الكتاب و احتوت على: مختارات من مجلة برسبكتيف وصور لأعداد من جريدة Espoir التى كان يصدرها طلبة الحزب الشيوعي التونسي في باريس والمناشير و النشريات التي تم عرضها في هذا الجزء هي عبارة على وثائق هامة و نادرة اٍضافة اٍلى كتابين: كتاب أبيض أصدره الطلبة الدستوريون في 25 مارس 1968 و يحتوي على «اٍجابة الدستوريين» على خطاب اليسار و كتاب ثاني أصدره الحزب الدستوري ويقال أن كاتبه محمد الصيّاح «المؤرخ الرسمي للحزب» وفيه رواية دقيقة جدا معتمدة على التحقيق ضد الطلبة وتقارير الشرطة و فيه تحديد دقيق لتركيبة خلايا منظمات اليسار حينئذ (برسبكتيف والحزب الشيوعي التونسي وكذلك حزب البعث)
وتكمن أهمية هذا الكتاب في اٍعتماده على شهادات شفوية و مباشرة من مناضلين شاركوا هي صناعة تلك الأحداث وفي تأطيره لتلك الأحداث عبر مداخلات قيمة قدمها مؤرخون جامعيون ساهموا في وضع الاٍطار التاريخي للأحداث بشكل دقيق ومما يحسب لهذا الكتاب اٍعتماده مقاربة تعددية تنوعت فيها الآراء اٍذ نجد صوت المؤرخ وصوت المناضل من برسبكتيف و شهادة المناضل الشيوعي ورأي الطالب الدستوري و الأستاذ الجامعي والهوامش و الملاحق التي حفل بها الكتاب لا تقل أهمية عن متن النص الأصلي اٍذ احتوت على وثائق قيمة تتجلى فيها أيضا المقاربة التعددية للأحداث اٍلى جانب النشريات والمناشير التي تمكن القارئ من الاٍنغماس في الجو العام الذي كان سائدا في تلك الفترة.
• أحداث مارس 1968 في الجامعة انعكاس للحالة السياسية العامة بالبلاد
يمكن الكتاب من متابعة أحداث مارس 68 بالجامعة التونسية ويعطي فكرة حول أسبابها وتسلسلها وتداعياتها وهو يدعو الى مزيد التعرف على الوضع الداخلي و الدولي الذي كان سائدا في ستينيات القرن الماضي . وفي خصوص الوضع الداخلي أشار الأستاذ الهادي جلاب اٍلى التناقض بين الاصلاحات الاجتماعية و الفكرية التي قامت بها دولة الاستقلال و بين النزعة اٍلى الاستبداد السياسي خاصة بعد المحاولة الانقلابية في 1962 و حظر الحزب الشيوعي في شهر جانفي 1963 و فرض هيمنة الحزب الواحد على المنظمات الوطنية كاتحاد الشغل و منظمة الأعراف، اٍضافة اٍلى غياب حرية الصحافة حيث يكتب الأستاذ الهادي جلاب (ص29) «اٍن الثورة الحقيقية التي قامت بها دولة الاستقلال في سنوات قليلة هي ثورة اجتماعية و فكرية. و مع السيطرة الكاملة على المجتمع ظهرت الحركات الفكرية الشبابية السياسية المناضلة و الديمقراطية و المتجسمة خاصة في الاتحاد العام لطلبة تونس و مناضلي حركة آفاق (برسبكبيف) و بطبيعة الحال هذا سيؤدي اٍلى تصادم في الستينات و خاصة ما حدث في مارس 1968.» و من جهته يلخص عبد الجليل بوقرة الأسباب (ص32) « تؤكد مراجعة شريط أحداث مارس 68 بالجامعة التونسية أن الطرف المحرك لها كان دون منازع «مجموعة الدراسات و العمل الاشتراكي التونسي» المعروفة أكثر باسم « حركة برسبكتيف» و هي حركة يسارية جديدة أنشأها مجموعة من الطلبة التونسيين بفرنسا سنة 1963 اٍثر طردهم من الاتحاد العام لطلبة تونس. بدأت هذه الحركة اٍصلاحية في توجهاتها ثم بعد سنتين من استقرار أعضائها بتونس أصبحت حركة ثورية تدعو اٍلى اٍسقاط النظام و اٍحداث تغيير جذري لجميع الأوضاع. و كانت حوادث مارس 68 مناسبة لتكريس التوجه الجديد لحركة « برسبكتيف» الذي جاء نتيجة مصاعب النظام البورقيبي و اعتقال البرسبكتيفي محمد بن جنات ومحاكمته و هزيمة الأنظمة العربية في حرب جوان 67 و الثورة الثقافية الصينية» . بالنسبة للمناخ الدولي يجب الاٍشارة اٍلى أن حركة برسبكتيف و اليسار التونسي عموما تطورا في عصر اتسم بصعود موجة التحرر الوطني و تعاظم المد الاشتراكي وتنامي معسكر القوى الوطنية و التقدمية المناهضة للاستعمار و الامبريالية . لقد شكلت مناهضة الامبريالية في الحقيقة نقلة نوعية في التحركات الطلابية التي صارت تنظم بدوافع سياسية واضحة. أول هذه التحركات انطلقت يوم 5 جوان 1967 اٍثر الهزيمة المفاجئة للدول العربية أمام اسرائيل و ما اثاره ذلك من موجة غضب عارم حيث قام الطالب البرسبكتيفي محمد بن جنات بقيادة مظاهرة باتجاه كل من السفارة الأمريكية و البريطانية احتجاجا على تواطؤ و دعم هذه القوى الامبريالية لإسرائيل في عدوانها على البلدان العربية. وقد وقعت اثر هذه المظاهرة الكبيرة أحداث عنف و تخريب طالت ممتلكات اليهود وقد استغل النظام تلك الأحداث للقيام بجملة من الاعتقالات كان على رأسها اعتقال محمد بن جنات الذي قدم اٍلى محاكمة عسكرية و حوكم ب20 سنة سجن مع الأشغال الشاقة رغم براءته من التهم المنسوبة اٍليه. و هذا طبعا حكم جائر و قاس كان الهدف منه ترويع واسكات الحركة الطلابية. اثر صدور هذا الحكم تكونت لجنة الدفاع عن بن جنات و قد ضمت أربعة أعضاء : اثنين من برسبكتيف و هما الهاشمي الطرودي و ابراهيم رزق الله واثنين من الطلبة الشيوعيين و هما صالح الزغيدي و الصحبي الدنقزلي. وكانت هذه اللجنة تعد المنشورات و البطاقات البريدية لتنوير و حشد الرأي العام للضغط من أجل اطلاق سراح بن جنات. و في هذا الاطار قامت لجنة الدفاع عن بن جنات بالدعوة و التعبئة ليوم تضامن مع بن جنات يوم 15 مارس 1968 لتكثيف الضغط على السلطة لإطلاق سراحه.
• أحداث مارس 1968 ومحاكمة الطلبة في شهر سبتمبر وتداعياتها
بدأت التحركات يوم 15 مارس بتنظيم اجتماع طلابي عام خارج اطر الاتحاد العام لطلبة تونس و قيادته الدستورية و اثر الاجتماع اقتحم الامن و الامن الموازي و هي ميليشيات تابعة للحزب الاشتراكي الدستوري ساحة الجامعة و قاموا بالاعتداء بالضرب على الطلبة و الطالبات و اعتقلوا 25 منهم. قام الطلبة بالاحتجاج و تكونت لجنة من 5 طلبة للتفاوض مع العميد الشاذلي العياري كما احتج الأساتذة و تضامنوا مع الطلبة رافضين انتهاك حرمة الجامعة من طرف الأمن. على اثر ذلك قرر الطلبة اٍعلان الاضراب عن الدروس و الدخول في اضراب اٍلى غاية 19 مارس و تجاوزت الاحتجاجات أسوار الجامعة والتحقت بها مدارس عليا و أيضا معاهد ثانوية . وأمام تردي الوضع قرر الوزير محمود المسعدي تقديم عطلة الربيع لتنطلق يوم 20 مارس لإغلاق الجامعة و وضع حد لتلك الاحتجاجات. أثر ذلك قام النظام بحملة اعتقالات واسعة في صفوف الطلبة و المدرّسين و احتفظ حاكم التحقيق بـ134 متهما: 90 من برسبكتيف و 14 من الشيوعيين و 30 من البعثيين. و قد لقي المعتقلون أصنافا من التعذيب بلغت درجة من القسوة و الوحشية يصعب تصديقها و قد قام بعض المناضلين بتوثيقها لاحقا على غرار أحمد بن عثمان الرداوي. و كان من تداعيات أحداث مارس 1968 محاكمات الطلبة المعتقلين في شهر سبتمبر 1968. و قد قام النظام باستحداث محكمة خاصة و هي «محكمة أمن الدولة» أحكامها غير قابلة للاستئناف. و يكتب صالح الزغيدي عن المحاكمة (ص80) « أما المحاكمة فقد جرت في ظروف صعبة للغاية. و الغريب أن عضوا من اللجنة المركزية للحزب الحاكم كان معيّنا ضمن هيئة المحكمة التي كانت منتصبة لمحاكمة معارضين لهذا الحزب. و هذا يعني أن ممثلين للحزب الحاكم كانوا يحاكمون معارضيهم.» و أصدرت المحكمة أحكامها على 104 متهما يساريا يوم 16 سبتمبر 1969 و تراوحت بين الخطية المالية و أكثر من 16 سنة سجنا و تجاوز مجموع الأحكام 150 سنة سجنا وقد أسست هذه المحاكمة لنمط جديد من المحاكمات للمعارضين منذ ذلك التاريخ يعتمد علي محكمة أمن الدولة التي أعطيت لها صلاحيات شبه مطلقة و تنعدم في جلساتها شروط المحاكمة العادلة. وقد ساهم ذلك في بروز نشاط حقوقي للدفاع عن حقوق المعتقلين وأسّس لما سيعرف لاحقا بالنضال من أجل حقوق الانسان وأسهمت بذلك في تطور الحركة الديمقراطية في تونس و هنا يكتب رشيد مشارك في شهادته (ص93) « و قد كانت هذه التجربة رغم كل شيء تجربة نضالية رائدة. و قد شكلت منذ 50 سنة خلت منطلقا للفكر الديمقراطي الحقوقي» و عن تأثير القيم و المبادئ التي رفعت في مارس 68 يقول مصطفى التليلي في كلمته الافتتاحية (ص20) « و يمكن الاٍقرار بأن الأجيال التي تعاقبت على الجامعة التونسية و تأثرت بالقيم و المبادئ التي رفعت في مارس 1968 أعطت دفعا هاما للعمل السياسي و النقابي و الحقوقي في البلاد. وقد طبعت هذه المرحلة ثقافة النخب السياسية بمختلف انتماءاتها و مواقعها و جعلت الماسكين بسلطة القرار في الادارة و في الأحزاب السياسية (الحزب الحاكم و المجموعات المعارضة) و في العمل النقابي و في الساحة الثقافية و الفنية يستلهمون بصورة أو بأخرى مواقفهم على ضوء القيم و المبادئ التقدمية و التي أعطت مارس 68 دفعا لها».
هذا الكتاب يلقي الضوء على حقبة هامة في تاريخ تونس لعبت فيها النخبة الطلابية دورا كبيرا سعيا منها لنشر مبادئ الحرّية والديمقراطية و العدالة اجتماعية في تونس، غير أن هذه كانت معزولة و تعرضت لقمع و تعذيب كبيرين. والآن بعد سنوات من ثورة 2011 أستحضر مقولة الهاشمي الطرودي: « لقد شعرنا و نحن نتابع فصول الثورة التونسية أنّ حلم الحريّة لم يعد قدر نخبة معزولة بل بات قدر الجميع.

• ملاحظة: تم هذا التقديم في مدينة قليبية يوم 26 أوت 2021 ضمن تظاهرة ثقاقية حول عدد من المنشورات المتعلقة بتاريخ اليسار التونسي (ماوية انطلاق النشاط الشيوعي بتونس) نظمتها جمعية صيانة المدينة بالتعاون مع كل من مخبر التراث بكلية الآداب والفنون والانسانيات بمنوبة ومكتب التعاون الآكاديمي لمؤسسة روز لوكسمبوغ

تقديم بقلم: سفيان الطرودي

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115