وانت تتصفح الرواية وتريد اكتشاف احداثها، احداث وليدة واقع عاشته المراة الافغانية اعيد طرحه في الاونة الاخيرة بعد عودة طالبان الى حكم افغانستان، فهل ستكون وضعية النساء اليوم كما احداث الرواية؟ سؤال يطرحه القارئ وهو يستنشق رائحة الدم والموت المنبعثة من بين الصفحات في «حجر الصبر» لعاتق رحيمي.
المكان ثابت «في مكان ما من افغانستان او أي مكان اخر تظلم فيه المراة وتنتهك حقوقها وجسدها، تحديدا «غرفة صغرى، مستطيلة جوها خانق على الرغم من جدرانها المطلية بلون فاتح، ازرق مخضر وستارتيها المزينتين بتصاوير طيور مهاجرة تجمدت اجنحتها المحلقة وسط سماء صفراء وزرقاء، الغرفة فارغة خالية من اي زينة سوى ما على الجدار الفاصل بين نافذتين حيث علق خنجر صغير وفوق الخنجر صورة شمسية هي صورة رجل كث الشارب لعله في الثلاثين من العمر» حيث تدور كامل احداث الحكاية وبطلاها رجل وامراة كلاهما دون اسم ففي افغانستان فترة حكم طالبان اغلب الرجال يحملون السلاح وكل النساء هنّ وعاء للجنس والحمل وقضاء شؤون البيت والرجل ولا ضرورة لتحديد الاسم او الكنية.
«حجر الصبر» هو عنوان الرواية، حجر الصبر هو الحجر الاسود الذي يحدثه الحجاج بهمومهم واسرارهم حدّ التفتت كذلك تفعل المراة في الرواية، فالرجل «الزوج» مصاب برصاصة في العنق، جسد بين الحياة والموت «على فراش وضع على وجه الارض، الرجل ملتح، غزا الشيب لحيته، ونحل جسمه كثيرا، فهو الان جلد على عظم، شاحب مليئ بالتجاعيد، في يده اليمنى النحيلة غرزت ابرة متصلة بانبوب تحقنه بسائل لا لون له يتقطّر من كيس بلاستيكي معلق فوق راسه تماما، وما تبقى من جسده مغطى بقميص طويل ازرق» اما المراة فاخبرها الملاّ ان تسبح له يوميا بغاية الشفاء وبعد عدة اسابيع من التسبيح وتغيير المحلول «تتنهد من غيض ، ثم تنهض فجاة «ماعدت احتمل، خائرة القوى، من الصباح الى المساء اتلوا سماء الله الحسنى، ما عدت احتمل» وتقرر ان تبوح بكل اسرارها لذاك الرجل الجسد.
حين تفتح ابواب صندوق الاسرار تكشف وضع المراة في افغانستان، فهي طفلة تزوج قاصرا، هي امراة محكومة بالعادات المجحفة والمخيفة مصيرها التطليق او الموت في حالة عدم نزول دم «البكارة» تقول بلهجة ساخرة «ان فكرة تمرير الدم النجس على انه دم بكارة فكرة مبتكرة، لا؟ تمددت والتفت بجسدها على الرجل «لم افهم ابدا لماذا كان فخر الرجال وثيق الارتباط بالدم الى هذا الحدّ».
عدم انجاب الاطفال،فالمراة العاقر يسمونها (لطخة العار)»عمتي مضى عامان على زواجهما ولم تنجب ولدا، اقول له، لانّ هذا هو ما يعشش في رؤوسكم انتم الرجال، باختصار كانت عمتي عاقرا، عندئذ ارسلها زوجها عند ذويه لتخدمهم ولانها كانت عاقرا وحسناء كان حماها يضاجعها بهدوء وبكل امان وذات يوم لم تعد تحتمل فهشمت جمجمته، هي لطخة عار العائلة»
احداث الرواية بطيئة جدا، كتبت تماما كما عدد انفاس الرجل المريض، تكاد تكون الحركات بطيئة وخانقة هي محاولة للاقتراب اكثر من وجع المراة والانصات لها وهي تسترسل في الخوض في شجونها الذاتية، فالمراة كما اثاث البيت يمكن تعويضه فقط الرجل صاحب الامر والنهي في حياتها ومصيرها، كثير من الاهات تكتمها المراة وتستدرج في اخراجها لتشارك الرجل قصصها المخفية.
في «حجر الصبر»يراوح الكاتب بين الحاضي والماضي ويترك للمراة فرصة الحكي هي شهرزاد تحكي لشهريارها فاقد الوعي الكثير من اسرارها، تعبر عن رفضها لواقعها، حلمت ان تكون حبيبة، فرحت لزواجها من «المجاهد» لتكتشف انه كابوس «حملت انت السلاح مجددا، ذهبت الى تلك الحرب العبثية، حرب الاخوة، وغدوت مدّعيا، متغطرسا، عنيفا»، تكشف عن نفاق من يدعون الجهاد باسم الله، فهم يرفعون السلاح في وجه الضعفاء فقط، ويستمتعون اكثر بدماء نسائهم»لن ياتي الملا اليوم، يخاف الرصاصات الطائشة، كما انه جبان مثل اخوتك، انتم الرجال انتم جبناء كلّكم، تعود مكفهرة، تحدق في الرجل اين هم اخوتك؟ الذين كانو فخورين جدا برؤيتك وانت تقاتل اعداءهم؟».
في الغرفة الضيقة تتسع تفاصيل الحكاية وتتشعب احداثها ويترك الكاتب لشخصيته حرية الانتقال من واقعها الى الاسطورة الى عوالمها المتخيلة، يشحذها بالجرأة لتقترب اكثر من الرجل الهامد، تلامسه وتتعرف على جسده وتكتشف كل تفاصيله التي كانت مخفية عنها فرغم عشرة اعوام من الزواج هي لا تعرف عن جسده الا القليل، تتحدث بكل صراحة تخبره عن اوجاعها دون خوف «»ساقول لك كل شيء يا حجر صبري، كل شيء الى ان اتخلص من عذاباتي».
تتحداه وتقرر تقبيله دون خوف، تمارس كل حرياتها في تلك الغرفة فهي سيدة الحكاية وصاحبة القرار وهو «حجر» لا يتحرك فقط يسمع، تمارس الجنس مع صبي من المجاهدين، تخرج تاوهاتها وصرخاتها امامه، تنظر اليه ساخرة وتخبره ان شرفه اصبح قطعة لحم بكل هزء «شرفك لم يعد سوى قطعة لحم، انت نفسك استعملت هذه الكلمة لكي تطاب مني ان أتغطى كنت تصرخ: استري لحمك في الواقع لم اكن سوى قطعة من اللحم حيث تقحم عضوك القذر وما ذلك الا لتمزقه وتدميه».
في غرفتها الصغيرة، تحدثه عن خوف المراة من زوجها، تخبره عن الالم النفسي الذي يسببه الرجال اينما حلوا باسلحتهم،تحدثه عن نفاق اخوته حاملي السلاح والمدافعين عن الله وسافكي الدماء باسمه، اولئك الذين زرعوا الخوف والخراب ويكنون بكنية «الشيخ» و»المجاهد» يبيحون لانفسهم كل الملذات « «احتفظ بالصبي من اجل ملاذه الخاصة، اختطفه عندما كان احدث سنا، رباه لكي يضع بين يديه كلاشينكوف نهارا وخلاخل في القدمين مساء، كان يرقصه» يعاشرون الاطفال والعذارى لكنهم يتعففون عن اغتصاب المومسات «»اغتصاب مومس ليس اغتصابا، لكن انتهاك بكارة فتاة يعني اغتصاب شرف امراة تلك هي عقيدتكم».
الم، دم، عنف، اغتصاب، تقتيل، انتهاك للحرمة الجسدية، اهانات نفسية هي المفردات المستعملة كثيرا في حجر الصبر، محاولة لنقل القليل مما تعانيه المراة في مجتمعات تحرمها حقها في الحياة وتشيّئها، في الرواية تواصل المراة البوح بالاسرار الكثيرة ومنها عقم زوجها، ذاك الرجل المرمي كما الوسادة تخبره انه عقيم وانجبت البنتين بطريقة ذكية «زاوجني قواد عمتي مع رجل مغمض العينين» فتقول «»نعم يا حجر صبري، هاتان البنتان ليستا ابنتيك، اتعلم لماذا لانك انت من كان عاقرا، وليس انا» وهو السر الاخطر، سرّ ايقض الرجل من سباته، ذاك الذي لم يوقظه ضرب البندقية ولا سرقة بيته ولا بكاء اطفاله ولا اصوات الرصاص والمجاهدين يقتلون ويدفنون الجثث في حديقته استيقظ فقط حين سمع انه «عاقر» و»زوجته» عاشرت غيره من الرجال، لتكون معها نهاية الشخصيتين ونهاية الرواية، دموية اول الرواية ودموية اخرها وكان بالكاتب يريد لقارئه الدخول في عالم دمويّ مخيف تعيشه النساء تحت حكم طالبان.