التجربة التشكيلية الحروفية لصفوان ميلاد: الحروف لسان البعد ونزهة العين وفاكهة القلب و ريحان الروح

يرسم ليحلم، يوزع ألوانه لينتشي ببهائها، يكتب ليصنع إلياذة للجمال الأزلي يصنع عالمه التشكيلي ومن أعماق روحه المسكونة بالحب يستنشق

عبق الإبداع ومن ذاكرته يخرج اجمل الصور المنمقة والمبنية اساسا على حركات الحرف العربي، الحروفيات دينه وسبيله للانسان، من خلالها يعرف بذاته ويدافع عن هويته وموروثه.
قيرواني الهوى، عربي الانتماء انساني في ابداعه، احب مدينته الجميلة، استمع كثيرا الى تراتيل القرآن سحره ذاك الحرف المنطوق فقرر ان يحوله الى اعمال تشكيلية تشبهه، مميزة وحالمة، صفوان ميلاد الفنان التشكيلي الحروفي يرسم بتلقائية، له فلسفته الخاصة في التعامل مع الحرف ومعالجته تشكيليا.
الحروف نوتة موسيقية ساحرة
سحرته قيروانه، في تلك المدينة المسكونة بالقباب والمتميزة بعمارتها المبهرة نشأ صفوان ميلاد، في حيّ قرب اقدم المساجد «الانصار» شبّ الطفل شغوفا بالألوان والحروف، كان جدهّ القرآن ويبدع في ترتيله فسكنته تلك الاحرف وشاهد الجدة ترسم لوحتها التشكيلية على «السداية» ليجتمع حب اللون مع رقة الحرف ويخوض غمار التجربة الحروفية منذ الطفولة و بعد اعوام من الرسم صار صديقا لقباب القيروان والكثير من الجدران التي نفخ فيها من روحه التشكيلية بعد ان كانت بيضاء صمّاء لا حياة فيها، وباتت موشاة باجمل الالوان تتراقص فقها الحروف لتصحب الناظرين الى رحلة تجمع جمالية الخطّ مع طريقة مميزة في الرسم والتلوين.
صفوان ميلاد فنان تشكيلي حروفي عصامي التكوين، شغوف بالفن وحركة الريشة يطوعها كما يطوع طفل صغير قطع الصلصال، لم يدرس الفنون الجميلة ايمانا منه ان الفن لا يحتاج الى قواعد علمية، بل هو تعبيرة ذاتية تكون نتيجة الحب وعشق لفن يمارسه، اختار الاختصاص في الحروفيات ورسم اجمل الاعمال، الخطّ العربي سحره وجذبه الى غماره.
احب مدينته ووله بها فخاض غمار الرسم ليخلدها وتكون اعماله على القباب دليلا للسياح من زوار القيروان، في لوحات صفوان ميلاد تحضر القيروان بكثافة، حركات الخط وطريقة توزيع اللون كذلك الدوائر وانصاف الدوائر التي تتشابه مع القباب الكثيرة في مدينته، يطوع الخطّ ليعبر عن عمارة مدينته فترحل اللوحة بمشاهدها بعيدا ليسمع تراتيل موسيقية مبهمة ونوتات كانها عزف على الة الكمان تحمله الى اجواز السماء وتغو صبه في غياهب التاريخ وتحولات الجغرافيا لتكون اللوحة الشاهد الحيّ على قيروانه التي سكنت قلبه واعماله التشكيلية.
تشكل الحروف عالمه التشكيلي، تنسجم الالوان مع اللوحة، «اقرأ» تحضر بكثافة في لوحاته هي دعوة ابدية للقراءة والتأمل، تتراقص الحروف وتتماهى مع رقة توزيع اللون فتكون الرسومات كما شطحات الصوفيين تنساب في عالمهم الروحي المغري، يعرف الفنان كيفية توزيع اللون على اللوحة يترك مساحة هامة للون الابيض لون السلام والبداية، البنيّ بتدرجاته يحضر بكثافة لون الارض والانتماء لها وميلاد متشبث بهويته وموطنه القيروان، في لوحات اخرى يطوع الالوان الزاهية والحارة فيصنع تعويذة جمالية مختلفة ففي الرسم يشبه الساحر بالوانه المزركشة حين يبهر الاطفال ويدعوهم الى عوالمه كذلك صفوان ميلاد يغريك بالبقاء اكثر امام اللوحة لاستقراء الحروف والسفر معها الى التاريخ والجمال.
عرفته المدن واحبته جدرانها التي يبعث فيها الحياة
ليس للإبداع نهاية هكذا شعار الحروفي صفوان ميلاد فهو فنان ترك بصمته في اكثر من منطقة من الجمهورية التونسية، حروفياته اصبحت علامته الفنية المميزة الموشاة بالوان تتماهى مع طبيعة المكان ومناخه، فالازرق يكون هو سيد العمل في المناطق المطلة على البحر وتكون الحروف راقصة كما امواج البحار، ليحل مكانها الالوان الترابية في المناطق الأخرى مع استعمال الأصفر والبرتقالي وكلاهما يعطي طاقة من السعادة لمتامل هذين اللوين، فميلاد يعرف جيدا كيفية خلط الوانه لتتجانس مع طبيعة العمل المقدم ومناخ المكان الجغرافي والتاريخي.
مسار جمالي مبهر، جدار ابيض طويل اصبح قبلة للباحثين عن التقاط الصور الجميلة،الطريق بين «درة البحيرة» والعاصمة حولها صفوان ميلاد الى متحف للحروفيات، تتراقص الحروف وتتماوج على ايقاعات الماء الخطوط والالوان، ييبدع الفنان في الرسم والتلاعب باللون وحركة الخط، له فلسفته الخاصة ليبدع في رسم عمل تشكيلي على جدار لمسافة طويلة جدا، عن الجدارية الكبرى يقول صفوان ميلاد «في الباء بسم الله بشائر و في الحاء حياة و في الياء يسر و في الراء راية و في التاء تيسير» ويضيف واصفا عمله «حروف البحيرة و ألوان السماء في توليفة حروفية فريدة تأسس لمشهد جمالي يعبر عن الإنسجام التام بين جمالية المسطح المائي و محيطه الساحر» هناك اختار صفوان ميلاد ترك بصمته الحروفية لتكون وجهة لملتقطي الصور وطريق فني يمتع مستعملي الطريق الرابطة بين البحيرة والعاصمة.
يواصل صفوان ميلاد رسم حروفياته على الجدران، تعرفه قباب القيروان وتنصت لموسيقى الريشة وتتراقص الحروف قبالة البحر في ياسمين الحمامات، احبت الوانه مدينة تازركة المطلة على البحر حيث توجد جدارية على الشارع الرئيسي، له بصمته في خزندار وقصر السعيد واريانة وتالة وهرقلة، اينما حل ميلاد اصطحب معه الوانه وحروفه وعوالمه التشكيلية الخاصة به فترك للخط الحرية ليرقص ويلامس سماء الابداع والجمال.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115