الفيلم الوثائقي «قبر بورقيبة» لعبد اللطيف القروري: القبر قبلة للسياح ..وجمالية المعمار تخليد لذكرى الزعيم

تغادر الأجساد وتبقى الانجازات، تغادر الأجساد العالم الدنيوي ليحل مكانها الرمز والتاريخ وكيفية البقاء في ذاكرة التونسيين والعالم هكذا

هو قبر بورقيبة طابع معماري خاص والهدف منه بقاء الزعيم الحبيب بورقيبة في ذاكرة التونسيين لأجيال متعاقبة.

«قبر بورقيبة» فيلم وثائقي اخرجه للتلفزة التونسية عبد الطيف القروري، بورقيبة «محرر المرأة» والمدافع الأول عن قيم الجمهورية التونسية وبمناسبة الاحتفالات باليوم الوطني للمرأة التونسية عرض فيلم بعنوان «قبر بورقيبة» فيلم يتناول فكرة القبر من الناحية المعمارية والفلسفية والنفسية، فيلم وثائقي يجمع الآني بالتاريخي، متعة سينمائية باللونين الابيض والأسود مع الالوان والكثير من التواريخ.

«قبر بورقيبة» بين المعلم المعماري الجميل الموشى باجمل النقوش وحضوره الرمزي كامتداد لانتصارات بورقيبة لبناء تونس الحديثة، بين مقامي «سيدي المازري» و»سيدي بوزيد» يوجد القبر مطلا على شاطئ القراعية غير بعيد عن رباط المنستير الشامخ.
«قبر بورقيبة» من الاماكن السياسية في المنستير، يزوره الكثير من الناس من الاجانب والتونسيين، باحته الكبيرة في الكثير من الاحيان تكون فضاء للعب الاطفال وصراخاتهم لاجل اشتراء بالون ملوّن، هو فضاء للراحة احيانا لوجود كراسي في الباحة التي يبلغ عرضها ثلاثين مترا وطولها ثلاث مائة متر، فالقبر او المقام بات مكان سياحي مزار لمحبي بورقيبة وللباحثين عن سحر المعمار وللراغبين في اكتشاف قبور الزعماء وعائلاتهم.

تصدح الموسيقى العسكرية مع جينيرك البداية مع الكثير من التواريخ والارقام المكتوبة بخطوط رقيقة وجزئيات من مخطوطات ليضع المخرج فيلمه في الخانة التاريخية والبحث في بعض اسرار وتفاصيل علاقة رئيس دولة وزعيم بمنزله الاخير «القبر»، الذي اشرف على كامل مراحل بنائه منذ اقتناه الأرض إلى حين انتهاء الأشغال مع المقاول الصادق الدبابي.
«قبر بورقيبة» التحفة المعمارية، من البعيد تنادي الزائر صومعتين كبيرتين بطول 25متر بلون ابيض نقيّ، التحفة مبنية اساسا من الرخام الابيض كما يقول عبد القادر بوسلامة باني القبر، يحيط بالقبر سياج حديدي موشى باللون الذهبي جيء به خصيصا من فرنسا، ثم بطحاء كبيرة وطويلة فباب حديدي اخر زين الى الجانبين بقصائد كتبت في الزعيم منها لمصطفى خريف بخط عريض وعرضها قرابة المترين، فباحة صغرى امام القبر الذي يعتبر من التحف المعمارية وله رمزيته في علم النفس أيضا اذ تقول أسماء الكعبي المختصة في علم النفسية ان العظمة تكمن في التصالح بين الحزن والذاكرة في رمزية القبر، اذ تطرق التحليل النفسي لجمالية الشعور بين الحداد مع ذاكرة الشعوب وقبور الزعماء عادة تكون نقطة الاشتراك بينهما، وتضيف ان لبناء الزعماء لقبورهم رمزية كبرى اهمها الخلود في ذاكرة الاجيال اللاحقة والتواصل عبر التاريخ.

باب حديدي اسود اللون مرتفع جدا وصلب صنع من البرونز في ايطاليا، كتب عليه باللون الذهبي ثلاث جمل هي «المجاهد الاكبر» و»تونس الجديدة» قبل اضافة جملة «محرر المراة» بعد غضب بورقيبة لعدم كتابتها على الباب كما يقول باني القبر، في الداخل يبهر اللون الابيض الزائر، من الرخام الايطالي بني كامل القبر وكمية الرخام الموجودة تعد الاكثر في كل البنايات في تونس، اللون الابيض النقي نقش فوقه الكثير من الرموز منها الروماني والعربي الاسلامي والاندلسي، مزيج من النقشات والالوان تؤكد اهتمام الزعيم بجمالية المعمار وتؤكد انفتاح تونس على كل الثقافات كما صرحت اماني هاشم، يتوسط القبر تابوت بورقيبة ووزن القبر سبعة اطنان هو الاخر صنع من الرخام الايطالي الابيض، اما السقف فزين بالخشب المغربي وصنع في المغرب مع شبابيك مربعة الشكل صغيرة وملونة لادخال الشمس وتهوئة المكان، ويتوسط القبر ثريا كبيرة الحجم بها 365 فانوس صغير على عدد ايام السنة وقيمة الثريا في رمزيتها وليس في قيمتها المالية وهي مصنوعة في الهند، اما الابواب الخشبية الداخلية فهي مصنوعة من شجر «الساج» المعروف بقدرته على مقاومة الزمن كما قالت المهندسة المعمارية.

«قبر بورقيبة» بين رمزية الشخصية وتاثيرها في الذاكرة الوطنية الة تونسية وسحر العمارة وجمالية الفضاء، القبر شاهد على براعة زعيم شغل الدنيا وعرف مكامن السياسة، زعيم ساهم في بناء تونس الجديدة وامن بقدرة المرأة التونسية على النجاح من خلال مجلة الأحوال الشخصية التي أصبحت ملهم للكثير من النساء في الدول الاخرى ليطالبن بحريتهنّ، محرر المراة التونسية ومشجعها على العلم و المعرفة والخروج من ربقة الجهل.

الحبيب بورقيبة اول رئيس للجمهورية التونسية احتفى المخرج عبد اللطيف القروري بقبره كشاهد على عبقريته فالزعيم تابع اشغال قبره منذ البداية عام 1963 الى حين انتهائها عام 1973، عشرة اعوام وبورقيبة يزور اسبوعيا الاشغال ويسال عن مدى تقدمها ترافقه ابنته هاجر بورقيبة «كان يقف هنا وكانته يقرئ الفاتحة على قبره، كنت ارى ذاك عجيبا فكيف يرى الإنسان قبره» كما تقول للكاميرا، لكنه لم يزعجه او يخفه الموت يوما لإيمانه أنها النهاية الحتمية للانسان «نعم أفكر في الموت، لكن لم يخفني يوما، اريد الكثير من الاضاءة على القبر، والموت لحظة زمنية يجب ان نموت والأعين مفتوحة» كما صرح الراحل الحبيب بورقيبة لأحد وسائل الإعلام الفرنسية اثناء مراحل بناء القبر.
«قبر بورقيبة» فيلم وثائقي غني بالمعطيات التاريخية، تقترب فيه الكاميرا الى أسرار بناء القبر ومدة أشغاله مع شهادات لمن عاصروا الزعيم مثل ابنته هاجر بورقيبة والعم عبد القادر بوسلامة باني القبر ومختصين آخرين كل في مجاله، ليحلل جمالية القبر كعمارة من خلال شهادة اماني بن هاشم وقراءة تاريخية في المكان مع المختص في التاريخ الحديث عاطف سالم والدلالات النفسية مع المحللة النفسية أسماء الكعبي وكذلك الفلسفية قدمتها المختصة في الفلسفة والسياسة ريم الشريف لبناء زعيم لقبره وهو على قيد الحياة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115