رئيس جامعة الزيتونة الدكتور عبد اللطيف بوعزيزي لـ«المغرب»: طريق خلاصنا مرتبط بنجاحنا في بناء رؤى ثقافية جديدة تقطع مع زمن الانحطاط والتخلف

تلعب النخب الجامعية دورها كاملا في تونس على صعيد خدمة قضايا المجتمع وإنارة دروب الفكر أمام أفراده وفي هذا الإطار كان لنا

حوار مع الدكتور عبد اللطيف بوعزيزي رئيس جامعة الزيتونة الذي تم انتخابة في نوفمبر 2020 وهي أعرق جامعة في العالم العربي وهو المدير السابق للمعهد العالي للحضارة الإسلامية بتونس وفي رصيده عشرات الكتب والبحوث خاصة في علوم الحديث والسيرة وهو كذلك من أعلام الجامعة التونسية ومفكر تونسي.
في اول سؤال عن دور للجامعي اليوم في تشكيل رؤى ثقافية جديدة مثوّرة للسائد أفادنا ضيفنا أنه «اليوم تقتضي المواءمة بين البيئة الجامعية والحياة المجتمعية من الأستاذ الجامعي إعادة قراءة لمسؤولياته ومراجعة لمدركاته ووعيه الفردي وأيضا لحسه الجماعي بهدف بناء توجهات وأفكار ومعارف تفيد الطالب الحر الذي سينهل منها بحيث تؤسس له وعيا نقديا ورأيا حرّا وخيارا مستقلا ذلك ان تشكيل رؤى ثقافية جديدة يتمّ أساسا عن طريق التخلّص من التناقضات الفكرية الخطيرة وإزالة كل العوائق التي تحول دون الاستفادة من التطورات التكنولوجية ومن مستجدات العصر اذ أنّ البنى الثقافية التقليدية تمثل أحيانا حدودا آسرة وجاذبة نحو كل ما هو قديم ودورنا الجامعي الذي يرتبط باختصاصنا يتمثل في تشكيل ثقافة مشرقة ومؤسسة للفهم الجديد لأصولنا الدينية وقيمنا الكبرى لفهم ديني حضاري يكون منقى من القشريات والتعصّب ومن التعسير والتشدّد ومن مختلف السلبيات»
وفي قراءته للواقع الأكاديمي الراهن من حيث البحث العلمي والآفاق يرى محدثنا «إن البحث العلمي مزدهر في تونس وهذا أمر يمكن الاستدلال عليه سريعا من خلال الكم الهائل والملموس من البحوث النظرية والتطبيقية لكن المشكل الكبير القائم يتمثل في عدم استفادة المؤسسات الاقتصادية وهياكل الدولة من نتائج وحدات البحث والمخابر العلمية أي أنّ الحلقة الضعيفة في واقعنا الأكاديمي تتمثل في الربط بين منظومة البحث من جهة وبين منظومة الإنتاج من جهة أخرى وهذا ما ينبغي على أصحاب القرار السياسي العمل على تجسيره».
وعن الدور الذي تلعبه جامعة الزيتونة في صراع الهويات الذي يشهده عصرنا المعولم قال «بقدر ما نعمل على ترسيخ خصوصيات الشخصية التونسية المعتدلة والمتسامحة والمتفتحة لدى الأجيال الصاعدة في إطار مواجهة العولمة الشرسة التي تسعى إلى التنميط الثقافي للشعوب نسعى إلى تعزيز التفاعلية لديهم مع تحولات عالمنا الراهن وتطوراته عن طريق محاولة إزالة رواسب التخلف وأسباب الانحطاط بما يُسْهم في إعداد الإنسان التونسي المبدع والقادر على التقدم بوطنه».
وعن طبيعة العلاقة بين الهوية والتقدم قال الدكتور عبد اللطيف بوعزيزي»الهوية هي بطاقة تَجْمِيعِيَة لخاصيات كلّ أمّة تتميّز بها عمّن سواها ولا شأن لها بإعاقة سيرورة التَّقدم كما يزعم البعض، فالهوية تنحت الشَّخصية على المستوى الدَّاخلي ولعلّ الدّين واللّغة من مقوّماتها الأساسية ومن ثم لم تعرف البشرية دينا يحضُّ على النُّهوض والرُّقي والسَّعي للمعالي والدَّعوة للتقدُّم مثل الإسلام، أمّا اللّغة فلا يوجد مثال قديم ولا بعيد على دول تقدمت ولا على أمم تميّزت بتخليها عن لغتها وإنّما عقدة احتقار الذّات هي التي أفرزت المفاضلة بين الهوية والتقدّم كخيارين متباينين يقتضي التمسّك بأحدهما إهدار الآخر،فأي شكل من أشكال التّنكر للهوية الثّقافية يعني السّير بخطى حثيثة نحو طمس الذّات،فالشعب الذي لا يكون مترسّخا في هويته الوطنية ينتهي إلى التلاشي والذوبان في الأمم القوية التي يتأثر بها ذلك ان الهوية الوطنية ليس لها من معنى مطابق على صعيد الواقع إلا الحرية والاستقلالية ...ومن أهم أدوار جامعة الزيتونة في هذا الاطار نشر وغرس القيم الوطنية وحفظ خصائص هويتنا الحضارية ومبادئ ديننا الحنيف في سبيل مواجهة مخاطر العولمة والقيم الأجنبية السلبية مع رفضنا للانغلاق وترك الاستفادة من فوائد التقدم والمشاركة في صنعه».
واجابة عن موقف ضيفنا من الطرح الذي أثاره بعض الجامعيين حول خطر تزايد أعداد المساجد في تونس معتبرين ذلك مدخلا للعنف داعين إلى مواجهته ببناء المسارح والمدارس افادنا بالقول»ان المساجد هي مؤثّر نفسي وسلوكي لا يمكن تجاهله في بناء شخصية المسلم فإذا تبوأت المساجد مقامها وأدّت دورها بإجادة وريادة صلحت ممارسات النّاس وانتظمت أحوالهم وعمَّ الخير وشاعت الرّحمة مما يُعلي شأن الدّين ويحقّق عزّة الوطن...ولا ينكر عاقل أنّ المساجد والجوامع كانت دائما مراكز للثقافة العربية والإسلامية الحية، والحمد لله أنّه منذ أيام الإمام سحنون تمّت حماية مساجدنا من أن يجلس فيها للتربية والوعظ والتدريس من يحمل فكرا غاليا أو متطرفا، وذلك نهج يرعى سنده الزيتونيون منذ زمن بعيد ولا علاقة لديننا الإسلامي الحنيف بالإرهاب بل هو دين سلام وتقدم وتعايش سلمي مشترك وما من داع لأن أستدل على مثل هذا القول باستدعاء الكم الهائل من الآيات القرآنية ومن الأحاديث الداعمة له ولا يوجد في الواقع أي رابط بين بناء المساجد وبناء المسارح والمدارس في عصرنا الراهن... المساجد يبنيها أهل المبرات تحت إشراف الدولة وبترخيص منها استجابة لطلبات المتعبّدين في كل منطقة، أمّا بناء المسارح والمدارس فهو أمر موكول للدولة وللمستثمرين الخواص في جانب آخر...وجامعة الزيتونة تساهم في إحياء المساجد واستعادة مكانتها والمحافظة عليها من خلال المعهد العالي للعلوم الإسلامية بالقيروان حيث لا نبخل عليه بما يستلزم لأنّ نظاما تكوينيا راقيا لطلبته سيُعدُّ أئمة خطباء على درجة عالية من الإجادة والإتقان والإلمام والمقدرة على حسن توجيه رواد بيوت الله نحو الفهم الصحيح لأمور دينهم وتقويم دنياهم وسينعكس ذلك آليا على المجتمع صلاحا وفلاحا في كلّ مناحي الحياة إذ مهما جُرّد المسجد من وظائفه فإنه يظلّ محتفظا على الدوام بسلطة الخطاب الدّيني لذلك علينا أن نقدّم خطابا جذّابا يرتقي بروّاد المساجد وقادر على الاحتكاك بمشاغل النّاس والارتباط بواقعهم بحيث تكون المساجد دائما متواكبة مع الجديد وقادرة على الوفاء بما ينتظره المجتمع منها وتبقى للمسارح دورها التثقيفي البارز والمُؤثر في المجتمع تربية وتوجيها وإصلاحا طالما كانت مضامينها هادفة راقية حاملة لرسالة نبيلة هي السمو بالذوق وتهذيبه والارتفاع بالوعي وتوجيهه ...ولعل الموقف من المساجد المشار إليه في السؤال مردّه جهل أصحابه بالدور الحقيقي للمسجد ووظيفته التربوية ودوره الحضاري علاوة على كونه مكان للعبادة والتاريخ خير شاهد على ذلك»

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115