أعمال الشاعر والحرفي خالد ميلاد: فنان يصوّب شراعه نحو شمس العشق التي لا تغرب

يصنع عوالمه التشكيلية المميزة، يخالجه حبّ المكان ويغوص في اركان الذاكرة ويخرج منها ايقوناته الفنية، يتيه في سحر المدن المنسية فينفض

عنها الغبار ليكشف لمعانها وبريقها بحروفياته، هو خالد ميلاد الشاعر العاشق والحروفي الثائر.
رسام جمع بين سحر الكلمة وبهاء الحرف في الرسم، سكنته الالوان كطفل صغير شغوف بما يرسمه، يحوّل ما يراه الى اعمال تشكيلية عمادها الخطّ العربي، يكتب وطنه وشغفه به في لوحات موشاة بأجمل الالوان فأعماله تشبه جنة العشق الموعودة يسكنها الصادقون والحالمون وخالد ميلاد يحول لوحاته الى عالم تشكيلي يشبهه ويتماهى مع حبّه للرسم والحياة والحلم.
القيروان مدينة العشق ومنبع الالهام
سكنته قيروانه، احب تفاصيلها وقبابها البيضاء الساحرة وانهجها القديمة المتفرعة ورائحة بخورها وعمارتها المختلفة وتاريخها وقصص الحب التي كتبت عنها وفيها، احبّ قيروانه وخلدها في اعماله التشكيلية، منارة التاريخ والعمارة والجمال يرسمها خالد ميلاد بريشته الصــــادقة فينقل قبابها وازقتها وجامعها الكبير موشى بقصائد وحروف متناثرة كما ورود الربيع، آلمه انتشار الوباء فيها منذ اسابيع، سكنه الخوف والوجع على قيروانه فرسمها بهية ومزدانة بالوان الحياة، حبه لقيروانه لم يعبّر عنه بالرسم فقط بل حوّل جمالها الى كلمات منثورة نطق بها قلب عاشق فرسم لوحة بعنوان «سفر الاشواق» وكتب فيها:

لبيك قيروان
إني آت.....
من سفر إليك آت..
كم كان طويلا ذاك السفر!
من كل مقام أقطف أنغاما
للنشوة ،
ومواويلا....
تختال الناقة بي
من بغداد،
إلى مصر،
إليك
في صحو من صحراء الوحي
وأناجيل
تصدق حال الشعراء
وكل الماشين على الجمر
«**بول كليي»مثل الطيف أتاك
يبحث عن اصل الذات،
فأقام ببابك سبعا
مابرح العتبات!
ممتطيا سحر الريشة ،
في سبل تهواها أفءدة
ترنو للفرح ،
لمجاميع من كلم
طاب ثراه!
يؤذن بالرسم الشبق
في ألوان،
في ألواح حفظت،
لاتدركها الأبصار
بغير يقين الشوق،
بكرامات الملتاعين
في أوردة
لايجري فيها
غير دم العشاق.....
لبيك اني آت
أصدق حال الشعراء.
وكل المجذوبين
وأدخل في ضيافتك الفسيحة
كما الضياء
القيروان في حروفيات خالد ميلاد هي الملهم الاول للإبداع، من بهائها يستمد قوته ليرسم وينثر حروفه ويوزعها على اعماله التشكيلية بكل حرفية، قيروانه مصدر الهامه الاول ومنبع طفولته وعشقه، في الاعمال التشكيلية الحروفية لخالد ميلاد تصبح الامكنة حية ومتحركة فهو يحمل العمارة والحضارة اينما ولّى ويعيد صياغتها في اعمال تشكيلية تشبهه في حبه لوطنه الكبير تونس ووطنه الاصغر القيروان، وحين تتامل الاعمال تشدك القباب وصومعة الجوامع مع الكثير من الالوان وكأننا بالرسام يضع اصوات الاطفال وهمسات العشاق في اللوحة، تشعرك انها تناديك للغوص فيها والرحيل ومزيد اكتشاف المدن و المنازل العتيقة حافظة اسرار القيروان وجمالها.
تحضر القيروان بجزئياتها، فالرسام والشاعر يستحضرها قبل الرسم، هي قبلته ووجهته، هي مدينة الوله التي يسكنها كلّما اراد التعبير، بالإضافة الى العمارة والخصوصيات المعمارية للقيروان يحول خالد ميلاد بعض القطع الخزفية والخشبية الموجودة داخل البيت القيرواني الى تحف فنية يرسم فوقها كطفل صغير يلاعب الطين لتصبح محامل تشكيلية ذات خصوصية وحده العارف بجميع اسرارها.
لخالد ميلاد علاقته الخاصة بالقيروان المدينة والوطن، قيروان التاريخ والحضارة والعمارة، مدوناتها القديمة ورقائقها التاريخية تصبح مادة ابداعية فيرسم بالازرق الفاتح مستلهما المعاني من اثار القيروان حتى يصبح الحرف قيروانيا مستنسخا من عطر البدايات « ويا لوحها المحفوظ في دوائر الرق الأزرق المكتوم يستلهم منه الفنان سحر وسر لوحته. يخطفك الرق القيرواني بحرفه البديع من سهوك ومن لا مبالاتك فتغدو مسرعا مستلطفا غواياتك تمشي على اطراف اناملك َتخطو بتؤدة تسير معه أينما يسير بك.. ازرق رباني الطلعة والذهبيّ الجذّاب سيّاران يركبان للمعنى يطويان سبل الالغاز، يبرقان في نسك ويتوحدان برقاق المواجيد» وهو نصّ كتبه تعليقا على عمل استلهم معانيه من الرق الازرق القيرواني وكتب عليه « سبحانه كان ولا مكان وهو على خلق المكان لم يتغير عما كان، علم ما كان وما يكون وما لايكون كيف كان لو كان يكون».
الخط العربي ورحلة في الخيال
رسام وخطاط وحروفي وشاعر، فنان متعدد المواهب له القدرة على استنطاق الحجارة لتخبره باسرار الماضي فيحولها الى اعمال تشكيلية، احب الخط العروبي واختار حروفه لتزيين لوحاته التشكيلية فكانت كما عقد اللؤلؤ في جيد اميرة متغنجة، شاعر يطوّع الحرف ليصف جمال اللون ودقته، خالد ميلاد من التشكيليين المتمسكين بالخط العربي والمدافعين عنه وعن جماله في الرسم، فنان تسكنه طاقة حبّ للامكنة والحروف، كلما رسم وقع اللوحة بقولة الرومي « لا تكن بلا حبّ كي لا تشعر انّك ميت، ومت في الحب وابق حيّا الى الابد».
للخط العربي ملامحه الخاصة عند الفنان يحوله الى اعمال تشكيلية تسافر به الى غياهب الذاكرة ويستكشف معه حكايات الماضي وعنه يقول خالد ميلاد لا زال الخط العربي حاضرا عند الخطاط والرسام ولو بشكل مختلف إلاّ أنه يتميز بالثراء ويتوزع على حوامل متعددة من قماش وخشب وبلور وخزف، يؤثث المساحة وينقاد منسابا بسلاسته لحركة الجسد كما يدفع بالفنان إلى الاستلهام و توظيفه تشكيليا واكسابه روحا متجددة لا تتناقض مع جمالياته وعبر أوجه من التطبيقات الملائمة».
حين تتابع اعمال خالد ميلاد الحروفية ستجزم ان سيبقى الحرف شامخا متطاولا على كل أشكال التغييب و التجاهل ولن تبلى الرقاع ولا المخطوطات ولن تنتهي أصوله وتفريعاته مادام محمولا بين أقلام الغواية وصبر الخطاطين وأناة الرقاشين والحروفيين وانامل التشكيليين متوهجا بين ثنايا المواجيد واطراف النظر المريد وهو الجالب للمسرّة وبهجة التأمل وهو حمّال دلالة لا تخفى عن كل بعيد النظر والتأويل.
في اعماله تأخذ الالوان والاقلام في سفر، يرافقك النغم ويصطحبك الوتر بين خيلاء العشاق والق الحروف، يبهرك الازرق في امتداده ويسكنن الاحمر القاني بالسؤال ويعطيك الزهري شحنة من الحبّ اما الاصفر فيصحبك في رحلة بين دفات الاحلام هكذا هي اعمال خالد ميلاد وحروفياته اعلان مشروع للسفر في عوالم الجمال الجامع بين القلم واللون:
قلمي
وحبر الليل الطويل،
أشواق حرف البداية
طيف آبق من دنى اللوح القصي
على وقع أقدام الصبابة
اقداح السكارى والمحاذيب
أشعار مبعثرة كوهمي
كأوهام الشريد،
خفت الضوء منذ سويعات
وهاهي المصابيح
تضيء وجهها الليلي
تنبعث الاشواق سنبلة
لك أن تعرف قصتها
من خطوها
من حرفها؟
من جرحها
من برود الشعر
وانطفاء القافية
هو الحب المقدس في ابهى تجلياته يرسمه خالد ميلاد في حروفياته، فنان كلما رسم ابدع وصدح باسم العشق عاليا، يرسم فيرفع راية العشاق فهو رسام يستهويه خط الثلث حين تستدرجه الدائرة فيطوف بها طواف البهجة والسرور مرددا مع شطحات الحلاج « والله ما أشرقت شمس وما غربت، الا وحبّك مقرون بأنفاس»

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115