فطوّعها ليرسم وطنه وافكاره وتكون أعماله صوت بلاده وصوت كل محبي وطن جميل يسمى العراق.
في كل اعماله يلتزم الفنان بقضايا عراقه، كل المشاغل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تسكن المواطن يصنع منها لوحات تشكيلية يرسم بتقنيات مختلفة ومدارس تشكيلية متباينة واحجام اللوحات ايضا تكون حسب المعنى، فنان يحول وجعه فنّا ويرسم بشغف طفل وحكمة كهل.
الفن التزام بقضايا المواطن والوطن
سكنه عراقه، سكنته كل تفاصيل وطنه الكبير بتاريخه وحضارته وجماله، آلمته الحروب فرسمها باللون الأسود، أزعجته الدماء فحولها إلى رسومات يطغى فيها اللون الأحمر، كل الغموض والخوف يضيفه مسحة من الرمادي لتكون اللوحة التشكيلية صوت الوطن وصورة عنه، فنان ملتزم بقضايا وطنه يؤمن أن الرسم رسالة وللفنان دوره في الصراخ ضد كل الأنظمة والسياسات التي تزعج مواطني بلده، أحبّ عراقه فحوّل أوجاعه إلى ألوان ودافع عنه بفنه.
الفنان التشكيلي نبيل علي العراقي الأصل والهوى، يطوّع ريشته لتنقل أوجاع أبناء وطنه، يجعل من الألوان رسالته الصامتة لتخبر كل من يتابع لوحاته وأعماله بما يعيشه العراق من أزمات، آخرها «أزمة الكهرباء» أزمة استلهم منها الفنان مواضيع للوحاته الجديد، إذ يعيش العراق منذ مدة على وقع انقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي رغم موجة الحرارة المرتفعة، أزمة كانت بمثابة صرخة الاستغاثة رسمها الفنان بشوق الطفل إلى أمه.
تتداخل الألوان الحارة تماما كاحتراق الوجوه من شدة الحرارة، بطابع موغل في السريالية الساخرة يلاعب نبيل علي الألوان ويراقص المعنى، إحدى اللوحات تسخر من أصحاب الكراسي الذين يصورهم في شكل مسخ للوجه أكثر من عين مع قرون ثور وتتحول الأقدام إلى حوافر لكن البطن منفوخ (كأغلب رجال السلطة والسياسة) وهو متشبّث بالكرسي يلعقه مسوخ بوجوه حمراء ورؤوس حليقة تماما كلاعقي أحذية الحكام، يشاهدون مواطنا بملامح كاملة عار تمام ويديه موثقتان إلى عمود الكهرباء كصورة المسيح أثناء صلبه، صورة يعرفها المواطن العربي كثيرا فالحكام عادة ما يتشبثون بالكرسي وان سالت أودية من الدماء وصلب المواطن وفرغ جسده من الدماء وفي هذا السياق تتنزل لوحة الفنان الموغل في السريالية، الألوان المستعملة في أعماله المعبرة عن أزمة الكهرباء تتراوح بين الأصفر الداكن والأحمر مع مسحة من البياض ألوان تتماهى مع صورة النار في المخيال الشعبي، نار تحرق الفكرة قبل الجسد، وتحول الدماغ إلى ما يشبه الأسلاك المتشظّية والمتقطّعة كما تقول اللوحة.
المرأة بحر مقدس من الجمال
الوطن أنثى، والسعادة انثى والعراق انثى جميلة مسكونة بروح دجلة ومياهها المقدسة، في أعماله يحضر الوطن الانثى بقوة، في لوحاته تصبح الانثى مقدسة وبهية، تتغير الالوان المستعملة وطريقة توزيعها، فيحل الزهري لون الحبّ محلّ الاحمر القاني ويحضر السماوي المبهج كما سماء العراق عوض الازرق الداكن المخيف، تتغير طريقة استعمال الريشة لتدخل في خانة المدرسة التعبيرية في اللوحات المتعلقة بموضوع المرأة التي يراها الفنان كما نوتات الموسيقى الجميلة.
لوحاته عن المرأة تحاكي جمالها وقدسيتها، يرحل بعيدا في غياهب الذاكرة والتاريخ فيستحضر عراقه، يستحضر حضارة البابليين مع الملكة «اميديا» (سيدة الجنائن المعلقة) وجمال نهر دجلة ليرسم بكل الشغف والحب، هي بنظره الالوان والانغام، هي صوت الاشوريين يكتبون تاريخ مجد ملكتهم «سيراميس» وجمال السومريين وامتنانهم للالهم الام «نيخرجاس»، هي روح حدائق بابل المعلقة، هي أساطير البلاد وحكاياتها، هي الهة الجمال ، هي استحضار لصورة اول شاعرة بالتاريخ «انخيدو-آنّا» التي يعني اسمها (الكاهنة العليا زينة السماء)، التي تغنت بالسومريين وحضارتهم، الالوان في اعمال نبيل علي هي صوت «رباب الكاظمي» و»خيرية نوري» و«صبيحة الشيخ فؤاد» و«اسيا توفيق وهبي» و»شرقية فتحي الراوي» وغيرها من النساء ممن صنعن مجد العراق، في أعماله التي تتغنى بالمرأة يغيب اللون الرمادي والاسود وتحضر فقط الالوان الزاهية، يمحى الأسود الكئيب والأصفر القانت ليعوضها الزهري والبنفسجي مع رموز لفعل الطيران او حضور المياه التي تحيل الى السفر والانطلاق. بتقنيات مزدوجة تجمع التلصيق والرسم، وألوان مختلفة تحضر تيمة المراة، المراة التي تشبه الآلة الموسيقية كما يراها نبيل علي، فهي برقة الكمان وسحر القيثارة وثورة الدرامز واغراء الساكسوفون وحزن الناي، كلها اصوات وايقاعات تمتزج لتسكن روح المراة الجميلة والثائرة كنغم وطني يتغنى بالعراق وتاريخها وجمالها وينفث فيها جمال «عشتار» وثورتها.