عرض «صابة: طقوس الحصاد» لحافظ زليط في قاعة المبدعين: الرقص ماهية الأرض وهوية الكادحين

حلّقي في سماء الحرية، تجولي بكل تلقائية في ربوع هذه الأرض اختزلي صور وذكريات كل المواسم وحوّليها إلى لوحات كوريغرافية مبهرة، أيتها الأجساد كوني

صوت المجتمع وضميره المخفي، كوني صوت المنسيين وارقصي على جراحهم واخبري الكل عنها علّها تندمل وتكون أرواحهم أفضل فوحدها لغة الجسد قادرة على اختراق القلب البشري والاستماع إلى أنينه وتحويله إلى لغة بصرية ممتعة وناقدة..

إلى الجذور يعود، إلى الأرض يرجع محمّلا بآماله وأحلامه لينصت الى بوحها وحكاياتها ويحولها إلى أعمال كوريغرافية تنتصر للحياة للإنسان وللأرض فمن خلال الجسد يوغل حافظ زليط في محليته لينقل الى جمهور المدينة ما يعيشه أبناء الريف ويعايشونه من قصص وحكايات في عرضه الجديد «الصابة:طقوس الحصاد» الذي قدم ضمن فعاليات ربيع الجسد بمدينة الثقافة.

الرقص لغة تنتصر للحالمين
خمس سنبلات موضوعة في أقصى الركح، صوت غناء يأتي من بعيد وكأنه لحظات استرجاع الكوريغراف لذكريات الطفولة وصوت الجدات وهنّ يحصدن خيرات الارض، ضوء اصفر يوزع كامل الركح يعرّي أسراره ويكشف أجساد الراقصين المنتصبة كما السنابل، ضوء يتماهى مع أشعة الشمس الحارقة وقت الظهيرة، في العرض كل المتممات الركحية من سينوغرافيا واضاءة وحركات الراقصين تتماهى مع التيمة الفنية التي اشتغل عليها حافظ زليط، اجسادهم صوت الارض وصرخاتهم، حركاتهم عنوان خضرة ربيعها وصفرة صيفها وثورة رياحها الخريفية وكل ما يتعلق بالارض وفعل الحصاد تنقله اجساد الراقصين الثابتة على الركح كما السنابل الموضوعة في أقصاه.
تتحرك الأجساد الساكنة، تبعث فيها الأرواح تنتفض لتبدأ الجولة الكوريغرافية في رحاب عطر الأرض وسحرها، أجسادهم مطية للعبور الى ما تخفيه الأرض من أسرار، الى حكايات الحاصدين ومشاغل الفلاحين وقصص الحب التي تبزغ شمسها وقت الحصاد تحمل الأجساد جمهور متعطش للفن والاكتشاف والاختلاف، في رحاب المدينة تكون الرحلة الكوريغرافية الموغلة في قصص الريفيين وهواجسهم ومشاغلهم.

الى الريف وحكاياته، إلى حقول القمح الممتدة وسحر انعكاس الشمس على السنابل الشامخة تكون الوجهة، إلى صدى اهازيج الفلاحين واغاني النسوة تكون قبلة حافظ زليط ومجموعة الراقصين الذين تولوا تحويل النص واختزال القصص المسموعة الى لوحات راقصة تجمع الرقص الكلاسيكي والرقص العصري، مزج ظريف بين الحركات والرقصات تماما كمزج الجدات بين الأساطير أثناء سرد قصص ما قبل النوم للاحفاد، تلك المتعة العجيبة يبدع زلّيط في التقاطها وتحويلها الى حركات تمتع العين وتسرّ قلب المتابعين لها.

ألوان الربيع وثورة الخريف تصنع منه لغة مميزة
«الصابة: طقوس الحصاد» هو اسم العرض الجديد، الصابة وتعني الكثرة وبوجود السنابل تكون الإشارة واضحة الى صابة القمح في حقل ما، الصابة تبدأ مع فعل الزراعة ثم التضرع الى المطر حتى تنهمر لترعى البذرة (في الميثيولوجيا والعادات التونسية طلب الاستسقاء زمن القحط احتفالية لها طقوسها ونواميسها ونتائجها ايضا) قبل ان تزهر الوان الربيع فالوصول الى شموخ السنبلة وميعاد الحصاد كل هذه المراحل تنقلها اجساد الراقصين بتغيير في الحركة والموسيقى والملابس فلكل طقس لباسه ولكل حركة شيفراتها ومعانيها ولا وجود لرقص مجاني او اعتباطي، كلّ الحركات تمتزج مع المضمون ليلامس المتفرج الحقيقة ويطّلع على سحر الارض وبهائها عبر لغة الجسد.
في «الصابة: طقوس الحصاد» تكود أجساد الراقصين محملا لمعرفة حكايات الفلاحين والاطلاع عن قرب على ما يحدث في الحقول ومن يسكنها، فئران الحقول التي تقضم السنابل وتترك خلفها القمح تصنع أقنعتها بكل دقة ويتقن الراقصون اداء الحركات، الفزّاعة الموجودة في كل حقل لاخافة الطيور هي الأخرى جزء من العملية الابداعية التي ترحل اليها اجساد راقصين امنوا بقدرة لغة الجسد على الابداع وتأثيرها في المتلقي.

بين المنطوق والمسموع والمحكي تفاصيل كثيرة تنقلها اجساد الراقصين، يحولون حكايات الحصاد الى لوحات راقصة، يصنعون من قصص الكادحين حركات كوريغرافية تنحاز للمهمشين وتدافع عن انتصاراتهم الصغيرة، يوغلون في التفاصيل من خلال لغة الجسد تلك اللغة التي يطوّعها حافظ زليط لتقديم صورة عن الحياة خارج الجدران المغلقة، في «صابة» تصدح الاجساد منتصرة للفلاح وللكادحين، ترقص على صوت زغردات النسوة بعد الانتهاء من عملية الحصاد وتجميع الصابة، يرقصون على وقع الخوف من اصوات نيران ظالمة قد تلتهم السنابل بسبب الحرارة، يرقصون على ايقاعات ضحكات الاطفال وعشق الفتيات الحالمات، كل ما يتعلق بالحقل والحصاد تصنع منه اجساد الراقصين مشهدية تتكامل فيها الموسيقى مع السينوغرافيا لتقديم مشهدية تنطلق من الواقع وتعود الى رحم الام الاولى الارض.

• الجذاذة الفنية للعرض:
«صابة» مشهدية راقصة محورها الوجود، لوحاتها متتالية وفضاؤها الحقول وعبق الطبيعة. مراوحة بين عناق المنجل مع السنابل الصفراء وبين البحث عن أثر ثمرة الترفاس في الصحراء. حضور شخصيات كالفزاعة وفأر الحقول والخيل المعدّة بكساء مميز احتفالا بموسم الحصاد.
• فكرة وكوريغرافيا: حافظ زليط
• الراقصون: عبد العزيز التواتي، هارون العياري، بلال شويحي،جنيور مابيلا، هناء الوسلاتي، هادية بنعبيد.
• سينوغرافيا واضاءة: عبد القادر بن سعيد
• تركيب الموسيقى: وسام سيف نصر
• الأقنعة والاكسسورات: حبيب الغرابي
• ملابس: زينة بن شعبان
• تقني موسيقى: محمد بشير

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115