التّأويلية، وتتميّز حقب أخرى بالمنطق التّفسيري وفقا للخصوصيات السائدة.
هذا ما أكّده يوم الخميس 19 ماي الدكتور محمّد الشتيوي في محاضرة بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة»، نظّمها قسم العلوم الإسلامية بالمجمع، عنوانها «التّأويل من الاستعمال القرآني إلى التوظيف الاصطلاحي». ويعتبر الأستاذ الشتيوي من أبرز المهتمين بإشكالية التغيّر الدلالي وأثره في النّص القرآني حسب رئيس القسم، الجامعي مقداد عرفة منسية.
وللتّأكيد على مكانة التّأويل في الثّقافة الإسلامية افتتح المحاضر مداخلته بشعار»الحضارة الإسلامية هي حضارة الـتّأويل»، خاصّة «في الزّمن المبكّر» على حدّ عبارته نظرا لكثافة مفردات التأويل «في الاستعمال القرآني» مقارنة بالتّفسير، وتستمدّ برأيه القراءة التّأويلية وجاهتها من ثراء المضامين وتنوّع المقاصد، لذلك كانت المقاربة المفضّلة لدى الفقهاء والباحثين .
ولكن منذ القرن الخامس هجري قد أضحى المنهج التّفسيري مهيمنا لدى «علماء الأصول»، حيث ظهرت كما يقول الدكتور محمّد الشتيوي «فوبيا التأويل» المنحدرة من معاجم القراءات ذات الحدود الضيّقة، والضّوابط المغلقة، والشّروط الصّارمة . فمن الطبيعي جدّا أن تتقلّص مساحة المعنى والفكر مع المنطق التفسيري باعتباره خطابا مقنّنا وأحاديا لا يحتمل الطّرح والطّرح المضاد، ولا يتكلّم إلاّ اللّغة الواحدة، فكتب التّفسير كما يقول الشتيوي «تكرّر بعضها» وعليه يدعو المحاضر إلى ضرورة إعادة الاعتبار للتأويل قطعا مع «الفهم النّمطي للنّص القرآني»، مشدّدا على حتمية تأسيس تأويلية قرآنية معاصرة تناسب مساحة الدّلالة وخصوبة النّصوص التي لا تستوفيها المسلّمات المطلقة، إذ ينعتق العقل بفضل طقوس التأويل من قيود أشكال الوصاية، تلك التي غالبا ما تصادر كل إمكانات الحس الإشكالي، والفكر النّقدي، واستعادة الأشياء للحساب الخاص، ورسم المسافات بين الجوهري والعرضي، سعيا إلى إدراك حقائق الأمور بواسطة العقل كقسمة عادلة بين الكيانات الإنسانية المستهدفة من بعض الأوصياء المنصّبين لأنفسهم كقادة رأي ومالكين لليقين وصكوك الغفران .