عرض «الغنجة» للعروسي الزبيدي ضمن مهرجان حومتنا فنانة: دع الكلمة تتغنى بالحبّ وتقدّس الفن

هو مسرحي يصنع عوالم الفرجة الخاصة به، مبدع له عوالمه الفنية الجامعة بين الإبداع والجنون، مسرحي أحبّ الرّكح وشغف بالحكاية

و التهم من التراث قصصه الكثيرة فحوّلها الى أعمال مسرحية مميزة ذات بصمة فنية تشبهه في الجموح والجنون، العروسي الزبيدي المسرحي الحكواتي يطل على جمهوره بعمل جديد في مهرجان «حومتنا فنانة» وعنوانه «الغنجة».
«الغنجة» عرض فرجوي تتماهى فيه الحكاية مع الغناء والعزف المباشر ويجمع الثلاثي محمد الصحبي بالليل ومحمد الشابي والعروسي الزبيدي، العمل لبنة اخرى لإعادة احياء الموروث الموسيقي الشفوي واعادة لبريق الحكاية و حضورها في المهرجانات والتظاهرات، «الغنجة» رابع عروض مهرجان حومتنا فنانة الذي ينظمه فضاء «مسار».

«الغنجة» سحر الكلمة ومتعة المسرح
في رحاب الكلمة تكون الرحلة، الى غياهب الذاكرة الشفاهية الجماعية يحمل الزبيدي جمهور «مسار» ليتجول به في سماء قصص الحب الجميلة التي خلدتها الجدات بالاغاني، الى التراث الجنوب-شمال يبحر الزبيدي زاده الكلمة و اللحن وصوت جنوبي شجيّ وروح محبة للموسيقى فيقفز بين الالحان و القصص و المعاني كطفل يلاحق الفراشات بين زهور عباد الشمس الصفراء الساحرة.

«الغنجة» عرض فرجوي مسرحي موسيقي يستلهم قصصه من الموروث الشفوي، يحول الحكواتي العروسي الزبيدي القصة الى عرض تمتزج فيه الاغنية التقليدية مع الموسيقى الحية والمباشرة لتتماهى عناصر الفرجة والمتعة، «الغنجة» عن قصة حبّ فارس من برّ القبلة (الجنوب) لفطيمة ابنة شيخ الكاف، قصة حب جنوبية شمال، تتمازج فيها خلجات الروح وتتماهى موسيقى الناي مع القصبة فتصنع لحنا لذيذا ومختلفا منه يستمد الزبيدي العبق ليبدع لجمهور متشوق للفرجة والحكاية.

على الرّكح يجتمع عازفات هما محمد الصحبي بالليل عازف ايقاعات ومحمد الشابي على آلة القصبة يرافقهما العروسي الزبيدي في التمثيل والغناء، الزبيدي بلباسه الجنوبي الجميل، السروال و النعال اليدوي الصنع تلك الزينة الصحراوية الممتعة، تفاصيل اللباس لوحدها هي رحلة في النسيج التقليدي في الجنوب التونسي، الوانه الترابية الصحراوية هي أيضا عنوان للهوية الجنوبية التي يحملها الزبيدي في لهجته ولباسه وحكاياته واغانيه التي ورثها عن والدته التي كانت تتقن فن الحكاية ووالده الشيخ الصوفي والذي تعلم منه حبّ الموسيقى والغناء.
«الغنجة» جولة موسيقية في خبايا الوطن، الناي يكتب وجع العاشق بنوتاته الحزينة لتتحول فجأة الى لحظات فرحة مع ايقاعات الة القصبة، تلك الالة الخشبية تتقن الانتقال من لحظات الترح الى الفرح لها عوالمها الموسيقية المتماهية مع الحكاية وجوهرها، في الغنجة كم هائل من الاغاني التراثية، اغاني الحب والفراق، يتقن الحكواتي المسرحي توظيفها لتكون لبنة

اساسية في عرضه الفرجوي، الاغاني التي اصبحت تراثية يعود لها بريقها ويقدمها الزبيدي كما تلقنها دون اضافات او تهذيب فهو يحافظ على الجوهر فقط وينفض عنها غبار النسيان ليعرف جيل اليوم موروث اجداده.

الحكاية تراث وقيمة
الحكاية، الحجّاية، الخرافة هي مروية نسجها الخيال وتوارثتها الاجيال مع إضافات كل حسب بيئته ومحيطه وتقاليده وأعرافه، قصص حبّ وبطولات قيلت في زمن ما، بعضها حقيقي واخر من صنع الخيال حافظت عليها الأجيال إلى حد اليوم يتوارثونها ويحكونها إمّا في شكل أغان او قصة، مرويات بطولية موشاة بالخوارق أبطالها من البشر الخارقين، فرسان لا يهزمون ولا يشق لهم غبار ونسوة شجاعات وقصص حب صادقة لا تعرف بابا للخيانة او الخديعة.

قيم انسانية تنقل من خلال الحكاية او الاغنية واغلبها تنتصر للخير و الانسان النزيه ايا كان منشؤه، هي فرصة لتغليب الامل على التشاؤم، انتصار للصدق وانحياز للذاكرة، والحكاية يعرفها الزبيدي بالقول «هي شكل من أشكال التعبير القولي تدخل في خانة الأدب الشعبي من الأساطير إلى النوادر زاخرة بالعجائب، ممعنة في الخيال، تبعث الحِس والشعور في الحيوان والنبات والأدوات الجامدة، تُلغَى فيها أبعاد الزمان والمكان، لتنتهي بانتصار الخير دائما» ومن رحم الاساطير ولدت إبداعات مثل «الفزعة طلت» و «الغنجة» و»الخوخة» وغيرها من العروض الفرجوية التي يمزج فيها الزبيدي المسرح مع الحكاية ويبدع في الوصف وينتقل بسلاسة من التمثيل إلى الغناء ليكون العرض متكاملا.

«الغنجة» رابع عروض حومتنا فنانة، التظاهرة انجزت في ظرف جد استثنائي، حرم جمهور البطحاء من التوافد كالعادة لمتابعة العروض واكتفوا بالمشاهدة الافتراضية بسبب ازمة الكوفيد والبروتوكول الصحي، حرم جمهور البطحاء وحومة بالدوف واحباء مسار من اللقاء المباشر لكنهم لم يحرموا من فقرات المهرجان وعروضه، حومتنا فنانة انجزت التظاهرة بعروض موسيقية جدّ قيمة توجهت لجمهور بمختلف الاذواق فقدموا العروض ذات الطابع الافريقي واخرى موسيقية تونسية الانتماء والروح وثالثة ملتزمة تتغنى بالانسان والانسانية، حومتنا فنانة التظاهرة كانت وفية لجمهور مسار وانتماءاته الفكرية والفنية رغم الجائحة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115