مسرحية «بين الوديان» إخراج مقداد الصالحي في فضاء «منيرفا تياتر سبيطلة»: لنا المسرح لنصرخ ضدّ تهميش السلطة

الحياة مسرح كبير والركح مسرح صغير يختزل الحياة، من رحم المعاناة ولد العمل، مسرحية ترشح بالام و الخوف وتطرح اسئلة

عن السلطة والسياسة وعما قدمته الدولة التونسية لابنائها منذ عقود كل ذلك يجتمع في عمل فني يرشح بالنقد عنوانه «بين الوديان» انتاج فضاء منيرفا تياتر بسبيطلة.
«بين الوديان» نص لزينة مساهلي وتمثيل مقداد الصالحي وزينة مساهلي وكمال العلاقي ومساعد مخرج الطيب الملائكي وإضاءة شاكر القاهري وسينوغرافيا احمد نصرلي وتقني صوت محمد امين الصالحي.
المسرح انحياز للإنسان
المسرح فعل انساني، هو عملية ابداعية تنحاز للانسان اينما كان والى روح الطفلة شهيدة العلم والتهميش مها القضقاضي اهدي العمل، بين الوديان تحدث الكثير من الاحداث، بين الوديان تجهض أحلام الأطفال الصغار كما حدث للطفلة حياة، بين الوديان تسرق الآمال و تظلم البصائر كما حدث مع احمد، بين الوديان تكتب قصص قوة النساء في ربوع جغرافيا جائرة وتاريخ عنوانه تهميش الارياف منذ عقود.
« بين الوديان» هو عنوان المسرحية الجديدة التي انتجها فضاء مينيرفا تياتر بسبيطلة ومن رحم الواقع ولد العمل، أحداثه تكاد تكون حقيقية، هي نقل مسرحي لواقع العديد من السكان الذي يعيشون خلف الوديان وخطر التنقل كلما تهاطلت الامطار و»حمل» الواد.
«بين الوديان» بين التلميح والتصريح تتصاعد احداث المسرحية، ثلاث شخصيات يجتمعون على الطريق لتحملهم الذكريات الى ماض بعيد وبين حديث الذاكرة والراهن يقدمون العديد من الرسائل المشفرة الناقدة للواقع، للسياسيين والانتخابات وللدولة.
اسماء الشخصيات تحمل الكثير من الرمزية، فحياة الشخصية الحاضرة الغائبة، حاضرة في الحوار بين الشخصيات الاخرى وغائبة جسدا، حياة التي سرق الوادي زهرة شبابها وفرحتها هي الحياة المثخنة بجراح اليومي الذي يعانيه سكان المناطق الجبلية القاسية، هي ضحكة الاطفال الذين يحملون محافظ ثقيلة ويمشون بخطوات ثقيلة تقاوم الماء والمطر والحرّ والقرّ للوصول إلى المدرسة، حياة هي تونس المغلولة بين وعود انتخابية تبشر بالخضرة وحقيقتها صحراء قاحلة تنبت فقط الأشواك.
الشخصية الثانية تحمل اسم «امل» وما احوج التونسيين للامل، امل تجمع الواقع بالمنشود، امل صحفية تؤمن بحرية الصحافة وترى ان دور الصحفي هو كشف الحقيقة والانحياز للمواطن لا رأس المال، «امل» هي انموذج عن الكثير من التونسيين اولئك الذين تقسو عليهم الحياة فيحولون قسوتها شمعة تضيء الدروب المظلمة، امل هي الامل في غد افضل متى اتحد التونسيين وكانوا صفا واحد ضدّ سياسة التهميش.
«بين الوديان» المسرحية الصرخة، صرخة امل لانقاذ الاطفال في الجهات، صرخة لتقوم الدولة بواجباتها تجاه مواطنيها، صرخة امل في جيل لا يخاف الوادي ولا جبروت الجغرافيا.
السينوغرافيا صناعة الفرجة والنقد
ديكور العمل المسرحي بسيط، ستارة تقسم الركح نصفين، مجسم حجرة الكيلومتر اقصى اليمين و مربع حديدي يشبه محطات النقل الريفي المرمية على الطريق، من الديكور يفهم المتفرج ان الاحداث تدور على قارعة الطريق، لباس شتوي يلبسه الممثلون، الموسيقى تصنع صوت الرياح و المطر.
في محطة النقل الريفي تجتمع الشخصيات، ثلاث شخصيات تختلف فكريا واجتماعيا يجمعها التهميش و انتظار شاحنة او سيارة تعيدهم الى «فيض المثنان» وهي منطقة ريفية تتبع اداريا معتمدية سبيطلة قريبة من جبل سمامة وتتميز بواد يحمل كلما فاض بعض الارواح البشرية قربانا الى دولة تناست انجاز قنطرة وطريق تحمي ابنائها من الوادي وغضبه.
في «بين الوديان» يمتزج النص مع السينوغرافيا لتقديم عمل مطروز بالوجع والمعاناة، مزج بين الموسيقى الحية والغناء فكمال العلاقي «غناي» وله صوت مميز وكذلك مقداد الصالحي في اكثر من مشهد يقومان بالغناء ويستعملان العصا لضبط الايقاعات، الغناء المباشر اصدق من الموسيقى التسجيلية فالصوت الحي قادر على التعبير اكثر على وجع الفراق وفي العمل يقدمان أغان من التراث التونسي التي تتماشى مع موضوع الموت و الفراق و الخوف «لا من يجينا» و «بين الوديان.
وكانت الاضاءة ايضا رافدا اخر في بناء العملية الابداعية، طريقة توزيع الاضاءة وصناعة المشاهد التي يتقنها شاكر القاهري هي الاخرى مطية ليكون العمل اقرب الى المتفرج فالاضاءة كثيرا ما تركز على التفاصيل وتعابير الوجه لتنقل ملامح الشخصيات الصادقة أثناء اللعب، في المسرحية تتكامل مقومات السينوغرافيا مع حركات الممثلين ونص مكتوب بالوجع والصدق لتقديم مسرحية تنطق بهموم الكثير من سكان الأرياف، تنقل خوفهم كلما تهاطلت الأمطار و قرر الوادي الحصول على نصيبه من القرابين فتكون ضحاياه من الاطفال والفتيات وأحيانا من النساء الكادحات فالوادي يختار قرابينه بعناية، نص نقدي يتهم الدولة بتقصيرها تجاه مواطنيها خاصة سكان المناطق الريفية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115