عرض «طروق» لإبراهيم البهلول ضمن ليالي الصالحية: قنابل ايقاعية تحيي المدينة من صمتها

دقي يا طبول الفرح، ارفعي صوت الامل عاليا واصرخي من قلب المدينة العتيقة ان هنا ارض الحياة وميلاد الجمال، ارفعي صوت السحر عاليا

واكسري صمت المدينة وهدوئها المريب في ظرف عصيب وقاس، ايتها الاصوات المنادية بالحياة الاتية من جبال الكاف وسهول الوسط وصفير رياح الصحراء اكتبي على صفحات التاريخ ان لتونس مبدعيها القادرين على صناعة الحلم وسط الخوف والعتمة.
في المركز الوطني للاتصال الثقافي اجتمعوا على حب الموسيقى، وضمن تظاهرة ليالي الصالحية تابع الجمهور عبر «الستريمينغ» عرض «طروق» لمجموعة فريقيا بإشراف ابراهيم البهلول، عرض جمع ومحمد صالح ميساوي وصابر الجبالي وكمال الجبالي وابراهيم البهلول في سهرة من الموروث بقراءة مختلفة وحديثة معاصرة ضمن فعاليات المهرجان وشعار هذه الدورة «تراثنا على الخط اساس حاضرنا».
الايقاعات الحية تتماهى مع ايقاعات الطبيعة وموسيقاها
الآلات الايقاعية سيدة المكان والعرض، مفروشات تقليدية تزين بها وسط المركز الوطني للاتصال الثقافي، رغم غياب الجمهور فالديكور والسينوغرافيا كانا حاضرين ليزيدا الفرجة بهاء وتكون الصورة بالوان زاهية تبعث في نفس الجمهور مسحة من الامل، الكليم التونسي بألوانه البهية مثّل جزء من المشهدية الجمالية المقدمة، المجموعة الموسيقية تلبس زيا تقليدي تونسي بالوان جميلة تجمع البنفسجي مع «اللحفة» بلونها الترابي الهادئ انسجم مع ذاكرة المكان وذاكرة الاغاني المقدمة مع اللون الازرق والقشابية التونسية، تفاصيل تونسية الذاكرة والروح.
«طروق» هو اسم العرض، طروق هو رائحة تونس وذاكرتها وجزء من مخزونها الايقاعي الكبير الذي يعمل عليه ابراهيم البهلول لتقديمه بشكل معاصر وحديث، الايقاع قبل الكلمة ذلك هو شعار البهلول في بحثه الميداني، «المهراس» يتوسط الركح وصوته الرقيق يعلن عن انطلاق العرض الزاخر بالموسيقى و الرقص وحب الحياة والغوص في جزء من الذاكرة الايقاعية لهذا الوطن الموشى بأجمل النغمات.
«طروق» رحلة موسيقية ايقاعية تجمع الاغاني البدوية مع تضخيم صوت الايقاعات، في العرض تغيب الآلات العصرية تكتفي المجموعة بالطبل والبندير والمهراس مع الة نفخية (الناي) والمهراس الذي يصبح الة ايقاعية له اوزانه وكأنه صوت البداية دائما، هو بداية موسم الحصاد وبداية الاعراس وبداية كل حلم لذيذ موسيقاه ذات رجع صدى ربما ايقظ المدينة من صمت فرض عليها وهي المتعودة على صخب ليالي رمضان.
«فريقيا» هو اسم المجموعة المكونة في العادة من 12عنصرا لكنهم اقتصروا على اربعة عازفين بسبب الظرف الصحي (التباعد) فوق الركح، فريقيا هي تونس، هي ربوع الشمال الغربي الغني بمخزون موسيقي ثري، فريقيا هي الايقاعات المتمردة والكلمة الغزلية الصادقة والحبّ البدوي الجميل، فريقيا هي تونس الاعماق، تونس الفسيفسائية بحكايتها وجمالها وعمق اغانيها واهازيج الحياة فيها.
للكاف بهجتها الموسيقية وعشق للحياة والجمال
صوت جبلي يخترق صمت الجدران، صوت قوي وهادر يعاند شموخ الجبال وصخورها الصماء صوت محمد صالح الميساوي يغني لجمهور ليالي الصالحية «عين الكرمة» و»دليلة» اغان غزلية تقدم الحب بطريقته البدوية الجميلة، بعده يكون صوت اخر اكثر قوة، صوت هادر كما رياح الشمال العاتية صابر الجبالي يرفع الصوت عاليا ويقدم «صوت» اهزوجة للحب والحياة، ترنيمة للبقاء تؤثر في المستمع وترحل به بعيدا الى غياهب الذاكرة ليبحث عن طفولة منسية او ذكريات مخفية يخرجها امامه ويتامل جمالها قبل ان يغني «سوج ها الحمام» اغنية غزلية تتغنى بالكاف مدينة وحبيبة « سوج ها الحمام ونادي على مباركة زرقة الوشام، فوق الكاف العالية، كي خرجت تشوف تلقى حمة فاتو الفوت، وهي صغيرة وعاشقة»
في رحاب الكاف تتواصل الرحلة، في بهاء موسيقاها وشساعة تراثها تتواصل الجولة الايقاعية و من الذاكرة الريفية للكاف يغنون «صغير وريقو شاح»، للكاف بهاؤها ولإيقاعاتها وقع قطرات الندى على الزهرة البرية سويعات الصبح الاولى، الموسيقى تعطّر الروح كما تتعطّر الزهرة البرية بالمياه، في فضاء تراثي تقليدي تتواصل المتعة الموسيقية التونسية، دون تهذيب او تجديد تقدم الموسيقى البدوية الريفية بكلمتها ولحنها الاصليين في اطار الحفاظ على ذاكرة من كتبها وغناها، في المركز الوطني للاتصال الثقافي يغني صابر الجبالي اغنية اصبحت معروفة اعلاميا بعد تقديمها العام الفارط في مسلسل «النوبة» ثم صورتها عفاف سالم فيديو كليب «وحش السرا» تغنى دون تهذيب بصوت جبلي ريفي يختزن كل مشاعر الحب والتمسك بالأرض والوطن كنغمة بدوية لا تعترف بالتهذيب.
في عرض «طروق» اجتمعوا على حب الايقاعات الريفية التقليدية، رحلات ميدانية ينجزها ابراهيم البهلول باحثا عن الايقاعت غير المعروفة، الايقاعات الريفية المتقاربة مع ايقاعات الطبيعة واصواتها لاعادة دراستها وتقديمها لجمهور متعطش للموسيقى بكل الوانها، «طروق» العرض المبهج، مسحة من الجمال التراثي تبدع المجموعة في تقديمه فتكون الايقاعات التي تصنعها الآلات متناسقة مع ايقاعات تصنعها اصوات جبلية هادرة لتقديم فسيفساء موسيقية لونية تشبه كثيرا حقول «البوقرعون» في ربيع الكاف والشمال الغربي للبلاد التونسية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115