فوانيس الهداية: الإيثار لغة العظماء (1)

الإيثار خير دثار، وأفضل شعار، ودليل على رسوخ الإيمان والثقة بما عند الرحمن، وهو علامة حب المرء لإخوانه، وبرهان على سلامة النفس

من دغل الأثرة والجشع والأنانية، فالمؤمن الحقيقي والمحب والصادق لإخوانه هو الذي يجود بما في يديه وهو محتاج إليه، يجوع ليشبع غيره، ويكد ليرتاح إخوانه، ويسهر لينام أحبابه.
«الإيثار» هو تقديم المرء غيره على نفسه فيما هو في حاجة إليه من أمور الدنيا، ويقابله الأثرة التي هي استبداد المرء بالفضل واستحواذه عليه دون غيره.
والإيثار أعلى درجات المعاملة مع الناس، ويليه العدل وهو اختصاص كل فرد بحقه، وأسوأ درجات المعاملة الأثرة.

والإيثار يرفع المجتمع إلى قمة الأمن، لأن أفراده ارتفعوا عن حظوظهم الدنيوية، وآثر بها كل منهم أخاه، فهو لا يفكر في أن يستوفي حقه كاملاً فضلاً عن التفكير في الأثرة والاستبداد.
قال تعالى "وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" الحشر: 9

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عَنْهُ- أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ، فَقُلْنَ مَا مَعَنَا إِلا الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا» فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَكْرِمِى ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِى، فَقَالَ هَيِّئِى طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِى سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِى صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ فَجَعَلا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلانِ فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ «ضَحِكَ الله اللَّيْلَةَ أَوْ عَجِبَ مِنْ فَعَالِكُمَا» فَأَنْزَلَ الله تعالى: "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ "الحشر: 9

ولم يعرف تاريخ البشرية كله حادثا جماعيا كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين بهذا الحب الكريم، وبهذا البذل السخي، وبهذه المشاركة الرضية، وبهذا التسابق إلى الإيواء واحتمال الأعباء، حتى ليروى أنه لم ينزل مهاجر في دار أنصاري إلا بقرعة لأن عدد الراغبين في الإيواء المتزاحمين عليه أكثر من عدد المهاجرين!.

قال أحد العلماء "فتأمل سرّ التقدير، حيث قدر الحكيم الخبير سبحانه استئثار الناس على الأنصار بالدنيا وهم أهل الإيثار ليجازيهم على إيثارهم إخوانهم في الدنيا على نفوسهم بالمنازل العالية في جنات عدن على الناس فتظهر حينئذ فضيلة إيثارهم ودرجته، ويغبطهم من استأثر عليهم بالدنيا أعظم غبطة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، فإذا رأيت الناس يستأثرون عليك مع كونك من أهل الإيثار فاعلم أنه لخير يراد بك والإيثار أن تؤثر الخلق على نفسك، فيما لا يحرم عليك دينا، ولا يقطع عليك طريقا، ولا يفسد عليك وقتا".

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115