لسان الروح: التجاوب أمارة المحبة (2)

• القرض الحسن:
قال تعالى: "مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ"الحديد:11

قال ابن كثير: "عن عبد اللّه بن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية "مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ" قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول اللّه، وإن اللّه ليريد منا القرض؟ قال: "نعم يا أبا الدحداح" قال: أرني يدك يا رسول اللّه، قال: فناوله يده، قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي، وله حائط فيه ستمائة نخلة، وأم الدحداح فيه وعيالها، قال: فجاء أبو الدحداح، فناداها: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: اخرجي فقد أقرضته ربي عزَّ وجلَّ.
وفي رواية أنها قالت له: ربح بيعك يا أبا الدحداح، ونقلت منه متاعها وصبيانها، وإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "كم من عِذْق رَدَاح في الجنة لأبي الدحداح" .. العذق: القنو من النخل، والعنقود من العنب، ورداح: ضخم، مخصب.
هكذا يكون رد الفعل، ويكون الرجال، ويكون الشوق إلى البذل في غير تردد ولا استجابة لرغبات النفس الطامحة للشح وإمساك المال .. هكذا كانوا، ولذلك أتت منهم الأعاجيب التي فتحوا بها قلاع الجبابرة وأملاك الأكاسرة والقياصرة، ونشروا التوحيد، وعبّدوا الناس لرب الناس، فرضي الله عنهم أجمعين.

• فهل أنتم منتهون:؟
قال تعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ" المائدة:91
روي أنه لما نزل قوله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى" النساء: قال عمر رضي الله عنه: "اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا"، فلما نزلت هذه الآية قال عمر: "انتهينا يا رب" وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- مناديه أن ينادي في سكك المدينة، ألا إن الخمر قد حرمت; فكسرت الدنان، وأريقت الخمر حتى جرت في سكك المدينة.

• الخشوع لله:
قال تعالى: "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ" الحديد:16
عن ابن مسعود رضي الله عنه: ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربعُ سنين. وعن ابن عباس رضي الله عنه: استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن .وقيل: كثر المزاح في بعض شباب الصحابة فنزلت.
وعن أبي بكر رضي الله عنه: إنَّ هذه الآية قُرئت بين يديه، وعنده قوم من أهل اليمامة، فبكوا بكاءً شديداً، فنظر إليهم فقال: «هكذا كنا حتى قست قلوبنا».

وهذه الآية أيضاً كانت سبب توبة الفُضيل بن عياض .. يقول ابن عساكر في سبب توبته: كان الفضيل شاطراً، يقطع الطريق في مفازة، بين «أبيورد ومرو»؛ فربما كان ينتمي إلى أبيورد، وقيل كان يقطع على أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته أنه عشق جاريةً، فبينما هو يرتقي الجدران إليها سمع قارئاً يتلو "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ"الحديد16، فقال: يا رب قد آن؛ فرجع فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها رفقة سابلة، فقال بعضهم لبعض: نرحل الليلة، وقال قوم: بل نبقى هنا حتى نصبح؛ فإنَّ «فضيلاً» على الطريق يقطع علينا، ولما كان الله سبحانه قد أراد هدايته "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ الله يَهْدِي مَن يَشَاءُ" فقد تاب الفضيل وأمّنهم، وجاور الحرم حتى مات. وقيل إنه قال: ففكرتُ وقلتُ: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين ها هنا يخافونني، وما أرى الذي ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إنني قد تُبْتُ إليك وجعلت توبتي مجاورة بيتك.

وقال عنه «إبراهيم بن الأشعث»: ما رأيت أحداً كان خوف الله في صدره أعظم من الفضيل، كان إذا ذكر الله أو ذُكر عنده أو سمع القرآن ظهر به من الخوف والحزن وفاضت عيناه وبكى حتى يرحمه من يحضره، وكان دائم الحزن شديد الفكرة، ما رأيت يريد إلا الله بعلمه وعمله، وأخذه وعطائه، ومنعه وبذله، وبغضه وحبه، وخصاله كلها غيره، كنا إذا خرجنا معه في جنازة لا يزال يعظ ويذكّر ويبكي، كأنه مودع أصحابه، ذاهب إلى الآخرة، حتى يبلغ المقابر، فيجلس مكانه بين الموتى من الحزن والبكاء، حتى يقوم وكأنه رجع من الآخرة يخبر عنها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115