هؤلاء شفعاؤنا عند الله" يونس:18 فقد نسبوا لمن يعبدون من دون الله النفع بالشفاعة. وقال سبحانه "ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم" يونس:28. وقال عز وجل: "قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر" يونس:31. وقال عز من قائل: "قل هل من شركائكم من يبدؤا الخلق ثم يعيده" يونس:34. وقال تعالى: "قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق" الأنعام:35 فدارت هذه الآيات على أنهم توهموا نفع ما اتخذوه معبوداً من دون الله، فبطل توهمهم، واضمحل باطلهم، وأتبع ما تقدم بقوله جل علاه لنبيه عليه الصلاة والسلام وللناس من بعده: "ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك" يونس:106 ثم بقوله سبحانه "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله" يونس:107 وحصل من مجموع ما تقدم، أن كل ما عُبِد من دونه سبحانه، وتُوهِّم أنه يضر أو ينفع، ليس كما ظنوه، كما قال تعالى: "وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه" الحج:73 فناسب ما تقدم من التنصيص على انفراده سبحانه بالخلق والأمر.
الجواب عن السؤال الثاني: أن قوله تعالى في سورة يونس: "وإن يردك بخير" ولم يقل: "وإن يمسسك بخير" كما في آية الأنعام، أنه تقدم قبل هذه الآية قوله تعالى: "إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون" يونس:96 فهو إعلام منه سبحانه بجري أمر الخلائق على ما قُدِّر لهم أزلاً، وسبق به حكمه تعالى، ثم أعقب بقوله عز وجل: "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا" يونس:99 فهذا تأكيد للغرض المذكور من جري أمر العباد على ما قَدَّر لهم سبحانه وما شاءه فيهم، وأن ذلك لا يرده رادٌّ، ولا يعارضه معارض، فناسب هذا قوله تعالى: "وإن يردك بخير فلا راد لفضله" أتم مناسبة، ثم وقع بعد هذا قوله عز من قائل "يصيب به من يشاء من عباده" وإصابته سبحانه من يشاء بالخير هو المراد بقوله في آية الأنعام: "وإن يمسسك بخير" فاجتمع في آية يونس الأمران معاً، وكأنه قد قيل: "وإن يمسسك بخير، ويُرِدْك به، فلا رادَّ لما أصابك به، وأراده لك" فكان في آية يونس من إمعان المقصود وتأكيده ما ليس في آية الأنعام؛ ليطابق هذا التأكيد والإمعان ما تقدم من قوله سبحانه: "إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون" وقوله تعالى "ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا". ولم يتقدم في آية الأنعام مثل هذا، بل اكتفى هناك بقوله عز وجل: "وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير" فجاء كل هذا على أتم مناسبة، وأوضح ملاءمة.
الجواب عن السؤال الثالث: أنه لما تقدم آية يونس من مؤثرات الخوف والجهل، ومهيجات الرهبة والخشية ما اقتضى الإخبار بغيبة للقَدَر، وجهل للمشيئة في قوله سبحانه "إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون". وقوله عز وجل: "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا" وعَظُم موقع ذلك على المؤمنين، وكان مع ذلك للوفاء بصالح الأعمال مما لا يحصل بالآمال، آنسهم سبحانه بذكر الصفتين العليتين، فقال سبحانه "وهو الغفور الرحيم" فناسب ورود الوصفين ما تقدم.