بشائر اليوم: السماحة (3)

وإنّه مما يتنافى مع روح السماحة أن يقع الإخوة في جدالات تافهة لأمور سياسية، أو قضايا فكريّة، أو توقعات غيبية،

ثمّ تجدهم ينفضّون متباغضين، وما كانت البداية إلا روح الجدل و"ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل" رواه ابن ماجه.
ولحثّ المسلمين على السماحة في الحوار، والتنازل عند الاختلاف، وعدم الوقوع في مغبة الجدل، تعهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم -ببيت في الجنة لمن تنازل : "أنا زعيم ببيت في ربض الجنّة لمن ترك المراء وإن كان محقـًا" رواه أبي داود . ولا يمكن أن يكون سماحة وتنازلاً إلاَّ حين يكون محقـًا، وإنه لعسير، وإن أجره لكبير .
3- كثرة اللغو : ومن نتائج انعدام روح السماحة أن تغدر أمتنا تتبارى بألسنتها ، فتنقلب إلى أمة كلام بدل أن تكون أمة عمل ، وتضيع الأوقات في الشد والجذب والأخذ والرد ، وكل يناصر رأيه ، إن مما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمته "منعـًا وهات" ، ومما كره لهم : "قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال" رواه البخاري .

• مواقف تقتضي السماحة :
1 - السماحة في الجهاد : ولا يكمل أجر المجاهد إلا بالسهولة والسماحة " الغزو غزوان : فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام ، وأنفق الكيمة ، وياسر الشريك ، واجتنب الفساد، فإن نومه ونبهه أجر كله" رواه أبي داود ، وهو حسن . قال الباجي " : يريد موافقته في رأيه مما يكون طاعة ، ومتابعته عليه وقلة مشاحّته فيما يشاركه فيه ؛ من نفقة أو عمل .
فلنوفر أوقاتنا ، ولنحفظ أخوتنا ؛ بتعميم روح السماحة فيما بيننا ، وبالنزول عند رغبة إخواننا إيثارًا لما هو أغلى .
2 - السماحة مع الزوج : تظهر آثار السماحة في جميع مظاهر حياة صاحبها ، فانظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع زوجه عائشة - رضي الله عنها - حين قصدت الحج والعمرة ، فأصابها الحيض ، فحزنت لعدم تمكنها من أداء العمرة ، وبكت لذلك وقالت : " يرجع الناس بحجة وعمرة ، وأرجع بحجة؟!! " يقول جابر بن عبد الله : " وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً سهلاً ، حتى إذا هَوِيَتْ الشيء تابعها عليه ، فأرسلها مع عبد الرحمن بن أبي بكر فأهلّت بعمرة من التنعيم … " . قال النووي: " سهلاً : أي سهل الخلق ، كريم الشمائل ، لطيفـًا ميسرًا في الخلق "رواه مسلم .
فما أعظم سماحته - صلى الله عليه وسلم - مع أهله في مثل هذا الموطن المزدحم، وفي حال السفر .
3 - مع المدعوين : وتأمل سماحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دعوته : فحين وجد ريح ثوم في مسجده ، نهي الصحابة عن أن يرد أحد مسجده قبل ذهاب ريح الثوم منه ، وكان المقصود بالنهي "المغيرة بن شعبة" يقول - رضي الله عنه - : " أتيته فقلت : يا رسول الله إن لي عذرًا ، ناولني يدك - قال فوجدته والله سهلاً - فناولني يده ، فأدخلتها في كمي إلى صدري ، فوجده معصوبـًا ، فقال : إن لك عذرًا " فعذره حين وجد أنه أكل الثوم لمرض ، وكم نحتاج إلى أن نتأسى بهذه السماحة مع المدعوين لنكون مبشرين غير منفرين ، ميسّرين غير معسّرين .
4 - العلاقة بين الصبر والسماحة : وإن مما عرّف به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإيمان قوله : "الإيمان: الصبر والسماحة" صحيح الجامع .
حيث عرّف الإيمان بحسن المعاملة مع الخالق والمعاملة مع المخلوق ، وكأنما يريد بالصبر علاقة العبد مع ربه ؛ بالصبر على طاعته ، والصبر عن معصيته والصبر على أقداره ، وكأنما أراد بالسماحة علاقة العبد بأخيه ؛ بحيث تغلب عليها السهولة والمياسرة والسماحة ، وقابلية التوسيع والتناول لرضى الله ، وفيما يرضي الله وربما كان من حكمة الربط بينما أن السماحة تقتضي قدرًا كبيرًا من الصبر والتحمل : "وَلَمَن صَبَرَ وغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ" الشورى/43 .
فكن سمحـًا إذا عاملت أو دعوت ، سمحـًا إذا حاورت أو رافقت ، سمحـًا إذا ظُلمت أو جُهل عليك ، فرسالتنا حنيفية سمحة ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115