رمضان النور: نأمل في استمرارها (1)

يأتي شهرُ رمضان كلَّ عامٍ ببشرياته التي لا نستطيع إحصاءها، فهي فرصةٌ حقيقية للمسلم كي يتحصَّل فيها على أبوابٍ للخير، قد لا تتهيأ له في غيرِه،

يساعد على ذلك الهمةُ العالية التي يُرزق بها، فتجده مُقبلًا على العبادات بفرضها ونَفْلها، كما تجده ينأى بنفسه عن مواطن الزلل والأماكن التي تأكَّد له أنها من الأبواب التي تجرُّه إلى المُهلِكات، إلا أننا نُلاحِظ - وبشكل واضح - ما يكون عليه المجتمع مِن وحدة يندرُ أو يقل أن توجد في باقي العام، في مظهر تكافلي نابعٍ من تعاليم ديننا الحنيف، وتوجيهات النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم.
• اجتماع على العبادة:
الإسلام يجمع ولا يُفرِّق، حتى في التكاليف الشرعية التي أمر بها ربُّ العالَمين، وتجد صنوفَ هذه التجمُّعات على مستوى الحي الذي تسكنه، ثم نفس هذه التجمُّعات على مستوى المدينة، ثم على مستوى الدولة، وبعد ذلك التجمُّع على مستوى العالَم الإسلامي، في مَشاهدَ وَقَف أمامها غيرُ المسلمين في دهشة وإعجاب لا يكاد يفارقهم، سطَّره المنصفون منهم في كتبهم، وتكلموا عن ذلك ضمن محاسن الإسلام التي لا تجدها في ملة أخرى؛ فموعد بَدْءِ الصوم وموعد نهايتِه في حد ذاته مظهرٌ قوي على هذه الوحدة، فقد جاء الأمر بالصيام للأمة في صيغة الجمع مِن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ليبرهن على أنه لا يخاطب دولة دون أخرى، بل المسلمين في شتى بقاع العالم.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صُومُوا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته".
فالصوم وإن كان العبادة المخصوصة في هذا الشهر الفضيل، إلا أن تجمُّع المسلمين فيه على الصلوات الخمس لا تجد له نظيرًا في باقي شهور العام، وإن كنا نأمل مِن الله تعالى أن يرزقنا جميعًا الحفاظ على فريضةِ الصلاة في شهر رمضان وفي غيره.
كذلك الاجتماع على عبادة صلاة التراويح، فيه ما فيه من مظهر اجتماعي فريد، ورافد إيماني تعلو به الهمة، فهي صلاة خاصة بهذا الشهر الفضيل، يتسابق الجميع إلى أدائها وتحصيل الأجر العظيم منها، زيادةً على ذلك هذه الحلقات القرآنية، والدروس العلمية، التي يتجمَّع المسلمون فيها لتدارُسِ القرآن، وتعلُّم أمور دينهم، وكلهم في شوق للاستماع دون كلل أو ملل.
• التكافل الاجتماعي أبرز دليل على الوحدة المجتمعية:
إن قوة المجتمع ووَحْدته الحقيقية لا نستطيع الحكم عليها من خلال الشعائر التعبدية فقط، بل إن سلوك أفرادِ هذا المجتمع وتعاملاتهم مع بعضهم البعض، وتكافلهم في السرَّاء والضراء - هو الذي يُعطِي الحكم الصحيح على هذا المجتمع، ولا يتَّضِح ذلك إلا من خلال التكافل الاجتماعي لهذا المجتمع في شهر رمضان وفي غيره.
وقد أعطانا القرآن الكريم نموذجًا لمجتمع قويٍّ متماسك، يتسابق أفرادُه إلى هذا التكافل، وذلك في قصة كفالةِ مريم التي لم ترَ أباها، فقد مات وهي في المهد، فأراد زكريا عليه السلام أن يضمَّها إليه بصفته زوجَ خالتها؛ كما ذكر ابن إسحاق وابن جرير - وقيل: زوج أختها - إلا أن أفرادَ المجتمع يومها تسابَقوا إلى كفالة مريم، قال الله تعالى: " وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ " آل عمران: 44.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115