الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة" رواه البخاري ومسلم.
والحديث لا يدلّ على نفي المعجزات الحسية، ولكن يدلّ على المنزلة العظيمة لمعجزة القرآن الكريم، فإنها معجزة خالدة على مر الدهور، يستمر انتفاع الناس بها إلى قيام الساعة، خلافا للمعجزات المادية التي أوتيها الأنبياء السابقون، وانقطع النفع بها بعد موتهم.
فحصر المعجزات في القرآن - كما دل عليه لفظ (إنما) – ليس على ظاهره، بل هو لبيان تميزه عن سائرها. ومما يشبه هذا التعبيرَ قولُه تعالى: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم" الأنفال:2 أي: إنما المؤمنون الكاملون في الإيمان، وقوله سبحانه "إنما أنت منذر" الرعد:7 أي: بالنسبة لمن لا يؤمن..
وأمّا العقلية:
فقول بعضهم: إن المعجزات الحسية مخالفة لقوانين الطبيعة المادية، فهي إذن غير مقبولة في موازين العلم الحديث! والحق أن هذه الشبهة ضعيفة جدا، ويمكن الجواب عنها من أوجه:
أولها: أن عقول الناس مختلفة في قبول مثل هذه الخوارق. فإذا كان عقل الملحد يرفضها، فإن عقول الملايين من المؤمنين لا تجد غضاضة في قبولها! فإن قال اللاديني : أنت - أيها المتدين – تقبلها لأن طمأنينة الإيمان تمنعك من التكذيب بها؛ فإن المتدين يجيب: وأنت ترفضها لأن غشاوة الإلحاد تحجب عقلك عن تقبلها! فإلى أي عقل نحتكم إذن؟
والثاني: أن العقل لا مدخل له – على التحقيق – في إنكار الخوارق والمعجزات، وإنما مرجع ذلك إلى العادة. فما ألِف الناس وقوعه في عاداتهم اليومية المطردة استبعدوا أن يتخلف وقوعه يوما ما. أما العقل فلا يمكن أن يرفض خرق العادة، فإن ذلك ليس ميدانه!
والثالث: أن المقرّ بوجود الخالق سبحانه – وهذا شيء للاستدلال عليه موضع آخر – لا يصعب عليه التصديق بالمعجزات المخالفة للقوانين الطبيعية المطّردة. والسبب أن الذي خلق هذه القوانين هو نفسه القادر على تغييرها متى شاء. فلا معنى للإيمان بأن الله خلق الكون، مع القول بأنه لا يقدر على تغيير بعض المعتاد في أحوال مخصوصة!
والرابع: أن القوانين التي تسير عليها الطبيعة لا يزال الكثير منها مجهولا، والإنسان يكتشف من ذلك أشياء جديدة كلما زادت معارفه العلمية. فالجزم بأن معجزة معينة مخالفة لقوانين الطبيعة غير مقبول من جهة المنهج العلمي الصحيح.
الأمر الثاني: دلالة المعجزات الحسيّة:
إذا ثبتت هذه المعجزات الحسية عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، وهي ثابتة كما سبق بيانه، فإنها تستلزم صدق من جاء بها، وتدل بوضوح على نبوة الحبيب -صلى الله عليه وسلم -، وذلك من أوجه مختلفة:
أولها: أن أخص خصائص المعجزات امتناع معارضتها من أفراد النوع البشري، فإن هذا مقتضى الإعجاز بها، أي أن الناس يعجزون عن الإتيان بمثلها. فتكون حينئذ خاصة بالأنبياء، لا تتعداهم إلى غيرهم. والمتأمل في معجزات رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، سواء منها القرآن الكريم أو المعجزات الحسية، يجزم بأنها سالمة من المعارضة، فإنه لم يستطع أحد قط أن يأتي بمثلها.
يتبع