الدراما الرمضانية: رسالة حبّ الى من ظلمتهنّ الحياة وقسا عليهنّ المجتمع

الدراما سلاح للدفاع عن المنسيين والمهمشين، الدراما وسيلة يقترب بها المتفرج من وجع الاخرين ويرى قبحه امامه على الشاشة،

هي تعرية لفساد السلطة وعبث «السيستام» وقبح المجتمع، مواقف فردية وأخرى جماعية تنقل في عمل درامي فيكشف زيف القيم، وفي الدراما الرمضانية اتجهت كاميرات المخرجين وأقلام الكتاب الى الفئات المهمشة ونقلت وجعها وكشفت عن قسوة المجتمع والدولة في التعامل مع أحلامهم.
النساء سيدات الحياة ومانحات الحياة، النساء كلما وجدن يضئن ويكنّ كما الشمس التي تنير كل الدروب، وفي المجتمع التونسي توجد الكثير من النساء المظلومات لسبب اجتماعي او اقتصادي، كثيرات هنّ اللواتي يتشاركن الوجع والخوف، وجع نقل في المسلسلات الرمضانية لتنحاز الكاميرا الى احلامهنّ وتؤكد ان لا حياة دون نساء.
المرأة الكادحة:
يعملن بصمت، يقاومن قسوة الحياة بهدوء يخفين دموعهنّ عن الابناء حتى لا يقاسموهنّ الوجع، يعشن في عالم من الخوف والانهاك الجسدي والنفسي، هنّ العاملات الكادحات سارقات الفرحة من الحياة، باعثات الحب ومانحات الامل في الدراما الرمضانية سلط الضوء على كدحهنّ ووجعهنّ اكثر من عمل اقترب الى العاملات ونقل احلامهن وامالهنّ وكيف يعشن حياتهنّ اليومية بين واجب الامومة وتوفير لقمة العيش والحرص على تعليم الابناء، شخصيات مختلفة توجد بيننا، نراها يوميا نرافقها ونترافق معها يعملن دون ضجة كما النمل فلا يتركن اثرا.
شخصيات مختلفة ومهن متباينة والوجع مشترك شعور بالتهميش وضعف الراتب وصعوبة في مقاومة غلاء الأسعار الشخصية الاولى لعاملة النظافة في احدى شركات النقل، تجسدها وجيهة الجندوبي في مسلسل «الحرقة»ّ عاملة النظافة المنهكة جسديا وغير القادرة على توفير دواء ابنها وهي تعمل بصمت وتتحمل كل ضغوطات الناس فقط لتوفر مسحة من الحياة لابنائها رغم «الشهرية زوز فرنك»، وجيهة تقمصت الشخصية حد الصدق ونقلت بمعرفتها بالتمثيل الاهانة والمذلة التي تعيشها عاملات النظافة من بعض مستعملي وسائل النقل (مشهد تنهي فيه العاملة كنس كامل المحطة لكن احدى مستعملات الميترو تقوم برمي بقايا اوراق امامها لتعيد الكنس مرة اخرى ونظرة وجع وانكسارترسمها على وجهها) وكذلك الاحساس بالضيم من المشغل.
الشخصية الثانية ابعد قليلا في الزمن، تعود الى التسعينات لكنها تقاسم شخصية 2020 الوجع، شخصية عاملة تنظيف تعمل في المنازل، شخصية ادتها الممثلة منيرة الزكراوي التي كانت صادقة في ادائها ورغم المساحة الزمنية القليلة لكنها اوصلت رسالة الشخصية في مقاومتها لأجل توفير كرامة لابنتها وإدخالها الى الجامعة من عمل المنازل الذي انهكها جسديا الى درجة القصور الكلوي، عاملة نظافة دون ضمان اجتماعي ولا حقوق اقتصادية او اجتماعية تضمن لها حياة كريمة، وجع الكثير من النساء اختزنته الممثلة منيرة الزكراوي وأوصلته الى جمهور مسلسل «اولاد الغول».
والشخصية الثالثة تنقل وجع عاملات الفلاحة في الارياف تقمصتها شاكرة الرماح في مسلسل اولاد الغول، عاملات الفلاحة اللواتي يرمين بانفسهن في حضن الموت لأجل ملاليم صغيرة، سارقات الامل وسط تغول رأس المال، هؤلاء لازلن يعانين التهميش وضعف الاجر الى اليوم واصبحن يتمتعن فقط بمنحة الموت السريع في شاحنات الموت التي تنقلهن جماعيا الى الحقول الفلاحية.
صورة العاملات الكادحات نقلت بكل دقة، ركزوا على التفاصيل، نقلت الممثلات الوجع بكل الصدق وفي الوقت ذاته اقتربن من مواطن القوة والأمل الذي يسكنهنّ رغم قسوة الحياة وتهميش السلطة.
الامهات العازبات: يدفعن حياتهن ثمن خطإ
يعشن معنا، لكنهنّ لا يتمتعن بنفس الحقوق، نساء منبوذات يرفضهن المجتمع ويصفهنّ بأبشع النعوت رغم تطور التشريعات والقوانين لحمايتهنّ لكن العقلية المتحجرة لازالت ترفض وجودهن وتعتبرهنّ «موتى بالحياة» هنّ الامهات العازبات اللواتي سلط عليهن مسلسل «الحرقة» الضوء، وحسب الاحصائيات الرسمية هناك قرابة 200حالة ولادة خارج اطار الزواج لكن نفس المصادر تجمع ان العدد اكبر لان هناك من يخيرن التكتم ولا يصرحن بهوية المولود، على ظهر «الشقف» توجد امرأة حامل «هالة» هربت من تونس بعد ان استوفت كل سبل الحياة فيها، تهرب من موتها في بلادها لتضمن حياة لابنها في بلد لا ينعته باللقيط ويرفضه رغم ان القانون تطور وسمح للطفل الوليد بحمل اللقب العائلي لوالدته.
هالة شخصية جسدتها الممثلة عايشة بن احمد، اداء متقن للدور ودراسة كاملة للشخصية ولوجعها، عائشة استطاعت نقل احساس المرأة المنبوذة والأم الحالمة برؤية طفلها، هالة تخطئ فتحمل فيرفض حبيبها الاعتراف بالطفل فترفضها العائلة ويلفضها المجتمع معادلة تعرفها الكثير من النساء اللواتي شربن ماء القهر والمذلة ليجدن انفسهنّ إما يقمن بعملية اجهاض والتخلص من آثار الخطيئة او قتل الطفل الوليد والدخول الى السجن او تركه والهروب او تقديمه الى جمعية ترعاه فلا وجود لخيارات اخرى امام الام العزباء في المجتمع التونسي، لكن «هالة» في المسلسل ترفض كل الحلول التقليدية وتقرر الاحتفاظ بطفلها وتبحث عن طريقة للجوء لكن بعد رفض طلبها تكون «الحرقة» ملاذها الاخير.
تمسّك هالة بطفلها رغم رفض العائلة والمجتمع صورة اخرى يقدمها المسلسل عن الامهات العازبات، محاولة للدفاع عن حقهنّ في الحياة وحق اطفالهن في حياة كريمة، محاولة لمساندة التشريعات ومحاولة لزحزحة عقلية متحجرة من مكانها، فهنّ جزء من المجتمع والخطأ ليس بجرم حتى يتمّ نبذهنّ او دفعهنّ للجريمة.
شخصية هالة احبها متابعي المسلسل وتعاطفوا مع وجعها، شخصية اتقنتها جيدا عائشة بن احمد وكانت تلقائية وصادقة، اوصلت رسالة الشخصية صاحبت حلمها وأملها في حياة افضل لطفلها، الشخصية الرقيقة وقت الضعف والتي تتحول الى لبؤة تدافع عن جنينها وقت الشدة، مزج بين الخوف والحنان وانفعالات نفسية خزنتها ذاكرة المملة وقدمتها بكل صدق وحرفية امام كاميرا المخرج الاسعد الوسلاتي.
المرأة عماد البيت وسنده
هل يستقيم البيت دون وجود الام؟ هل تكون حياة الابناء متوازنة في غياب الام؟ الاجابة حتما لا لأنهنّ عماد البيت وأساس توازنه، الام طاقة الحب والحنان، الام نبراس ابنائها وبلسم لكل الجراح، الام مخزن اسرار الابناء وحلقة الوصل بينهم كذلك هي الام التي احبها جمهور الدراما وتفاعل مع صدقها، شخصية اتقنتها الممثلة نعيمة الجاني في مسلسل الفوندو شخصية جديدة ابدعت فيها الممثلة، ام لسجين محكوم بعشرين عاما سجنا ولعشرين عاما وكل يوم خميس تستعد لتحضير القفة، عشرون عاما دون تعب او كلل زادها الصبر وانتظار رؤية ابنها بعد انهاء مدة العقوبة.
نعيمة الجاني كانت قوية وثابتة في دورها، تقمصت الشخصية بكل وجعها ترسم على محياها الام الفقد والخوف وتتصنع ابتسامة لتمنح الاخرين القوة، اداء مختلف عن الشخصيات السابقة التي قدمتها ونجحت في شد انظار متابعي مسلسل الفوندو للمخرجة سوسن الجمني، نعيمة كانت الام التي يحلم بها الجميع، الام تلك الطاقة الهائلة من الحب والامان وفي الدور كانت نعيمة الجاني فقط الامّ.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115