ضمن الدراما الرمضانية.. مسلسل أولا الغول: بين صراع المال ونقد واقع الفنان ...

صراع ازلي لا يفنى، صراع المال والسلطة، صراع الفقر والغنى وثنائية المدينة والريف ، صراعات العائلة على الارث والمال

وصراعات اخرى تنقلها كاميرا مراد بالشيخ في مسلسل «أولا الغول» العمل الدرامي الذي جمع ثلة من اعمدة الدراما التونسية مع حضور متميز للشباب.
«اولاد الغول» نص وسيناريو رفيقة بوجدي واخراج مراد بالشيخ من تمثيل فتحي الهداوي ووحيدة الدريدي وربيعة بن عبد الله وحلمي الدريدي وفارس الاندلسي وياسمين بوعبيد وبلال البريكيس وسارة الحناشي وشاكرة رماح والعمل مهدى الى المخرج الكبير شوقي الماجري والمنتج نجيب عياد وتقني الصوت وليد المرعي.
صراع السلطة والمال
الخيانات الداخلية هي التي تنهك أي مؤسسة سواء كانت عائلية او مجتمعية، في «اولاد الغول» تقترب كاتبة السيناريو رفيقة بوجدي من صراعات العائلة تحديدا صراع الاب وأبنائه من أجل المال، صراع «اسماعيل الغول» (فتحي الهداوي) مع ابنه «هارون» (حلمي الدريدي) على سلطة المادة ومن صراع مخفي تتشعب احداث المسلسل وقصصه، الصراع الاول ينطلق بين الغول وزوجته «الكاملة (وحيدة الدريدي) وبدورها تنقل هذا الصراع الى أبنائها وتلقنهم كيفية سرقة أكبر قدر من اموال والدهم ليكونوا لأنفسهم مملكة وثروة مستقلة عنه.
طريقة كتابة الشخصيات والتركيز على تفاصيلها وتجسيدها بذاك الصدق هي النقطة الفارقة في العمل، ومتابع المسلسل يجد ان كل شخصية كتبت لوحدها بتركيز مطلق على جزئياتها ودواخلها النفسية التي تنعكس على الاداء وعلى الملامح والحركة، في تفكيك شخصيات العمل ركزت كاتبة السيناريو على البعد النفسي لأنه الاكثر تأثيرا في المتلقي، فكتبت بدقة وصنعت هيكلة العمل ليكون متقنا مبنى ومعنى فطريقة التصوير مميزة اشرف عليها المبدع محمد المغراوي والمواضيع المطروحة تمس جلّ شرائح المجتمع.
في «اولاد الغول» يكشف المسلسل عن خور يمارسه بعض عمال الموانئ التجارية وكيفية تلاعبهم بالصفقات ومساهمتهم في ادخال المواد المهربة مقابل مبالغ مالية طائلة، نقد كذلك لانتشار الرشوة بين المسؤولين وأصحاب القرار لتسهيل عمل رؤساء الاموال وكيفية سرقة اموال الدولة والتحيل عليها تحت غطاء السياسة والنقابة، في المسلسل كشف للعديد من القيم السلبية التي يعيش بها المجتمع التونسي في تلك الفترة ونقل للصراع لأجل المال وتكوين الثروات تحت غطاء لاقانوني،جميع العوامل تتداخل لخدمة صراع المال والسلطة.
صدق في الأداء وقدرة على الاقناع:
صدق الاداء ساهم في نجاح العمل، في «اولاد الغول» اجتمع الثنائي فتحي الهداوي ووحيدة الدريدي كل منهما قامة في التمثيل ومرجع في تقمص الادوار والإقناع، فتحي الهداوي في شخصية «اسماعيل الغول» صاحب الثروة الطائلة بفضل عمله، يطبق القوانين ويرفض الدخول تحت غطاء «التهريب» شخصية قاسية ومركبة وعابسة، قليل الكلام لكن الهداوي اعتمد كثيرا على لغة الجسد فكانت ملامحه هي الناطقة بانفعالات الشخصية وأفكارها فكانت الشخصية مختلفة عن «الدوندي» التي قدمها في العام الفارط في «النوبة» فالهداوي متلون متكمن من شخصياته يلاعبها كما يلاعب الطفل لعبته.
تقابله امرأة لا تقل أهمية في عالم التمثيل وحيدة الدريري التي انست الجمهور شخصية «مفيدة» التي رافقتها لخمسة مواسم كاملة، شخصية جديدة ومختلفة عما قدمته اتقنتها الدريدي جيدا ووصلت الى الجمهور ومتابعي المسلسل، في المسلسل ظهرت الممثلة الجميلة شاكرة رماح بدور مختلف، امرأة ريفية اتقنت اللهجة وعرفت خبايا الشخصية وتركيبتها فكانت شاكرة تلقائية وصادقة.
في العمل ابدع الممثلون الشبان في تجسيد ادوارهم وإتقانها، الممثل حلمي الدريدي نجح في شخصية هارون ونقل عنفها وثورتها الداخلية امام الكاميرا وفارس الاندلسي استطاع نقل احاسيس شخصية الفنان وأحلامه التي لا تعرف حدا، شخصية تجمع اللين والعنف نجح في تقديمها كما تميز بلال البريكي في شخصية لاقت الكثير من الجدل، «ماهر» في النوبة لعامين ابن المدينة ذاك الفتى الهادئ يجده متابعي اولاد الغول في شخصية «التوهامي» ابن الريف الحالم بالخروج من حقيقته شخصية «سكيزوفرينية» تريد طمس الاسم والماضي والقرية وتغييرها بهوية جديدة واسم جديد يتلائم مع المدينة وأهوائها، يحلم بالثروة ويستعد لدفع المقابل، شخصية مركبة تمكن بلال من ادائها وأتقن اللهجة الموغلة في المحلية ونجح التوهامي ليكون حديث متابعي الدراما ووسائل التواصل الاجتماعي.
من الممثلين الشبان تميزت ياسمين بوعبيد في شخصية مريم، مريم الطموح والحالمة، مريم التي تركت خلفها قرية موغلة في الفقر، ظلمتها الجغرافيا فآثرت العلم لتكون سيدة نفسها، شخصية تبدو هادئة لكنها مسكونة بالوجع ومكتوبة بالخوف اتقنتها الممثلة جيدا، كما تميزت الممثلة سارة الحناشي في شخصية «بية» المدللة والمتمردة، فتاة تؤمن بالحب والمساواة بين الجميع تحبّ ريفيا ترفضه العائلة فتتمسك بقراراتها،»بية» انموذج عن قوة المراة وجرأتها وقدرتها على افتكاك حقوقها رغم قسوة العائلة والمجتمع، سارة الحناشي كانت تلقائية في الاداء وبسيطة في التعامل مع الشخصية فشدت انتباه متابعي مسلسل «اولاد الغول».
نقل لحال الفن والفنان
تتشعب مواضيع مسلسل «اولاد الغول» ومن بينها موضوع الفن والفنانين بين رفض المجتمع وتمسك الفنان بحلم النجاح، الفن «اخترته وهو ملجئي، لولاه لما قاومت المرض» بهذه الكلمات تعبر شخصية أمينة (ربيعة بن عبد الله) عن قيمة الفن وأهميته، فالفن حياة ومقاومة والفن وسيلة للعلاج وفي المسلسل تصاب الفنانة بالسرطان لكن حب الفن وممارسته يعطيها القوة لتواصل وتنحت مسيرتها الفنية.

الفن منبوذ ومرفوض، الفن «مايوكلش الخبز» ، الفن ليس بمهنة، هي الجملة الأشهر بين محبي الفن ورافضيه وفي «أولاد الغول» يسلطون الضوء على حياة الفنان وحساسيته تجاه الواقع والعائلة وما يشعر به الفنان من الم وحسرة بسبب رفض العائلة لفنه، في المسلسل ثلاث حالات تمارس الفن الأولى وتختلف من حيث طريقة التفكير لكنها تشترك في حب الفن الحالة الاولى تجسدها شخصية أمينة ، فنانة حققت نجاحا باهرا لسنوات اختارته مهنة وحياة، أحبته حد أن تناست العائلة و الأصدقاء، أمينة نجحت في الفن والشهرة لكنها خسرت الابن والعائلة والأصدقاء بعد أن خفت بريق شهرتها.
الحالة الثانية «يوسف» المتيم بالعود وتلحين الأغاني، أحب الموسيقى منذ نعومة اظفاره ويحلم بممارستها مهنة لأنها تمثل الحياة والأمل وكلما امسك العود بعثت فيه الرغبة للمواصلة، يوسف يجد المعارضة من العائلة لأنهم يجمعون على الموسيقى ليست مهنة للرجال والموسيقى يمكن أن تكون هواية لكنها لا ترتقي لرتبة المهنة أو الوظيفة، شخصية يوسف يتقنها جيدا الممثل فارس الاندلسي، يستلهم الكثير من الصدق من عوالمه الفنية لينحت تفاصيل شخصيته.

الحالة الثالثة «أحلام» فنانة مشهورة يدعمها رجل اعمال صوتها جميل وموسيقاها مقنعة لكن امواله هي طريقها للنجاح ومطيتها للشهرة، احلام تعيش تشتت المرأة بين الواقع والحلم، بين النجاح في الفني والسقوط في هوة المجتمع ونواميسه.
الحالات الثلاث عينة من المجتمع التونسي ثلاثتها موجود ومعاناتهم يعايشها التونسيون تكشف معاناتها الفنان في هذا الوطن والعراقيل التي يجدها لينجح في صناعة فنّ يميزه ويشبهه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115