الأسماء الحسنى: بيان معاني اسم الله "القريب" وكيف نصل إلى مرتبة القرب من الله؟ (3)

فهذا قربه من أهل طاعته وفى الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه: قال كنّا مع النبيء صلى الله عليه وسلم في سفر فارتفعت أصواتنا بالتكبير فقال:

«يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصما ولا غائبا إن الذي تدعونه سميع قريب أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» متفق عليه، فهذا قرب خاص بالداعي دعاء العبادة والثناء والحمد. وهذا القرب لا ينافي كمال مباينة الرب لخلقه، فإنه ليس كقرب الأجسام بعضها من بعض تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، ولكنه نوع آخر، والعبد في الشاهد يجد روحه قريبة جدًا من محبوب بينه وبينه مفاوز تتقطع فيها أعناق المطي، ويجده أقرب إليه من جليسه كما قيل: "ألا رب من يدنو ويزعم أنه يحبك والنائي أحبُ وأقربُ". وأهل السنة أولياء رسول الله، وورثته، وأحباؤه الذين هو عندهم أولى بهم من أنفسهم، وأحب إليهم منها يجدون نفوسهم أقرب إليه وهم في الأقطار النائية عنه من جيران حجرته في المدينة، والمحبون المشتاقون للكعبة والبيت الحرام يجدون قلوبهم وأرواحهم أقرب إليها من جيرانها ومن حولها. والقصد أن هذا القرب يدعو صاحبه إلى ركوب المحبة وكلما ازداد حبًا ازداد قربًا، فالمحبّة بين قربين قرب قبلها، وقرب بعدها،

وبين معرفتين معرفة قبلها حملت عليها ودعت إليها، ودلّت عليها، ومعرفة بعدها هي من نتائجها وآثارها. ومن آثار معرفة اسم القريب: الأمن والثقة: فالمؤمن يعيش بقرب الله في أنس وثقة ويقين، وملاذ أمين، وحصن حصين مكين؛ لأنه في معية الله، ومصاحبته فهو سبحانه القريب منهم في كل أحوالهم وهو الصاحب في أسفارهم حال غربتهم ووحشتهم فالله صاحبهم القريب منهم «أنت الصاحب في السفر» رواه مسلم 1342، وهو سبحانه في ذات الوقت خليفته على أهله والخليفة في الأهل، وقد كان من دعائه عليه الصلاة والسلام عند السحر في السفر «ربنا صاحبنا وأفضل علينا» عائذًا بالله من النار رواه مسلم 2718. ومن آثار هذه المعرفة لهذا الاسم: حصول السكينة والثبات: قال الله تعالى: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا"التوبة من الآية:40، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «يا أبابكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما» متفق عليه. فمن كان الله معه فمعه القوة العظمى التي لا تهزم، ولقد ربى الله أصفياءه على أن يكونوا على علم بأنه معهم فلما أرسل موسى إلى فرعون الطاغية قائلًا: "اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي. اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى"طه:42-43، قال موسى وهارون: "قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى.

قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى"طه:45-46 . وهذا دواء الخوف وعلاجه من قلوب المؤمنين، إنه القاهر فوق عباده معنا أسمع وأرى فما يكون فرعون وجنوده وما يصنع حين يفرط أو يطغى؟ والله معهما يسمع ويرى، فيذهبان إلى فرعون فيخاطبانه دون خوف ولا وجل فيقولان "إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلىَ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى" طه من الآية:47، ويختمان الحديث "إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى" طه:48. ويوحي الله إلى موسى بالسرى، ويتبعه فرعون وجنوده، ويقترب المشهد من نهاية وتصل المعركة ذروتها، ويقف موسى أمام البحر ليس معهم سفين، وماهم بمسلحين وقاربهم فرعون بجنوده شاكي السلاح يطلبونهم، ودلائل الحال تقول كلا: لا مفر! العدو من خلفهم، والبحر من أمامهم ويبلغ الكرب مداه، وما هي إلا لحظات ويهجم الموت ولا مناص ولا معين "فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ" الشعراء:61، فيقول موسى الذي امتلأ قلبه بربه ثقة بربه "كَلَّا" لا يكون ذلك "كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ" الشعراء من الآية:62، كلا بقوة وشدة لن نكون مدركين، كلا لن نكون ضائعين! كلا إن معي ربي سيهدين! وفي اللحظات الأخيرة ينبثق الشعاع المنير في ليل اليأس وينفتح باب من النجاة من حيث لا يحتسبون. ويضطرب أبو بكر الصاحب إذ هما في الغار وهو يسمع خفق نعال المطاردين ويملكه خوف شديد على صاحبه فيقول: "لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا"، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الواثق بمعية الله: "لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا" التوبة من الآية:40.

يتبع

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115