وفي هذا يقول الحق سبحانه: "وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ" سبإ:37، ولا تنال منزلة القرب إلا بالإيمان وصالح الأعمال، يقول سبحانه في الحديث القدسي: «وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه» رواه البخاري "6136". قال بن سعدي في قوله تعالى: "وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب" العلق من الآية:19: "واسجد لربك واقترب منه في السجود وغيره من أنواع الطاعات، والقربات فإنها كلها تدني من رضاه وتقرب منه"
- الصلاة بساط القرب: إنّ الصلاة هي وسيلة القرب الكبرى، وليس بين العبد وبين ذلك إلا أن يقبل على الله بوجهه ولا يلتفت، ثم يسجد فيزداد قربًا، "وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب" العلق من الآية:19 فالصلاة أعظم قربة إلى اللَّه حيث وجه إليها الرسول صلى الله عليه وسلم من أول الأمر وقال صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد». إن لحظات السجود والقرب من الله هي ساعات كرم الله وبركته وعطائه الذي لا حدود له، ولا قيود، تهتبل فيها الفرصة بالدعاء والطلب، وتنثر فيها كنانة القلب بما فيه من أشواق ومطالب. قال صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» رواه مسلم. وقال الله سبحانه" وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب "العلق من الآية:19. وفي الحديث أن رجلًا قال: يا رسول الله أسالك مرافقتك في الجنة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أو غير ذلك؟»، فقال هو ذاك. فقال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود». رواه مسلم. وفي الحديث: « ما من مسلم يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه خطيئة» رواه مسلم عن أبي الدرداء. وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول يا ويلاه أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت أنا بالسجود فعصيت فلي النار» أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة. ويروى عن علي بن عبد الله بن عباس أنه كان يسجد في كل يوم ألف سجدة وكانوا يسمونه السجاد.
- الذكر والدعاء: إن ساعات الذكر، ولحظات المناجاة والمناداة والابتهال هي لحظات قرب من الله ودواعي رحمته وإجابته، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» متفق عليه، رواه البخاري "6236" ومسلم "2704". وقال صلى الله عليه وسلم: أ «نا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه» رواه البخاري "6970" ورواه مسلم "2675". وذكر الله يوجب القرب من الله عز وجل والزلفى لديه، ومن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطبًا بذكره وإذا جعل المؤمن ذكر الله شعاره أثمر القرب من الله والتقنع بثوب الحياء منه وإجلاله، وهاج في قلبه هائج الهيبة والمراقبة. مشهد القرب في عشية عرفة: عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء» رواه مسلم "1348".
فإن قرب الله من عبده في القرآن نوعان: الأول: قرب الله سبحانه وتعالى من داعيه بالإجابة، ومنه قوله تعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ" البقرة من الآية:186. والثاني: قربه من عابده بالإثابة ومن ذلك قوله: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» رواه مسلم "482"، "وأقرب ما يكون الرب من عبده في جوف الليل" رواه الترمذي "3579" وهو حديث صحيح.