ويختلف المؤمنون بها باختلاف السياقات والظروف والتنشئات الاجتماعية…تبعا للإرادة الإلهية.
ويعنى بالتعايش السلمي: الاشتراك في الحياة على الألفة والتعاون، ونبذ الحرب، وعدم اعتماده وسيلة لتسوية الخلافات، والتمسك بالمفاوضات والتفاهم المتبادل، والإقرار بالتكافؤ، واعتبار المنفعة المتبادلة أساسا في العلاقات بين الأفراد، والجماعات، والطوائف الدينية، والدول. وإدراك هذا المعنى يتطلب منا أن ندرك حقيقة التعايش السلمي في إطار العلاقة التي أقامها القرآن فيما بين المسلمين ومختلف أهل الكتب السماوية.
فالقرآن الكريم يقر التعايش السلمي بين المسلمين وأهل الكتاب؛ باعتبار أن كتب اليهود والمسحيين والمسلمين جاءت في أصلها بدين واحد، وتهدف كلها إلى إرشاد الإنسان إلى ما يحقق له السعادة في حياته الدنيوية والأخروية، والوسائل التي تحقق هذه الأهداف متماثلة في مجملها وإن اختلفت في بعض التفصيلات.
إنها الإيمان بالعقائد الدينية في الله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، وإنها عبادة الله التي هي حق من حقوقه على الإنسان. وقد فرض الله هذه العبادات، وبين شعائرها. وإنها السلوك الاجتماعي الحسن الذي يقيم دائما بقيم خلقية أبدعتها وأقرتها هذه الكتب السماوية.
وإن كتب أهل الكتاب حتى في نسخها الحالية تحتوي من المضامين ما يتفق مع مضمون الإسلام في بعض الحالات.
فالحوار والجدال مع أهل الكتاب قد يعطي نتيجة؛ لذلك دعا القرآن إلى مجادلتهم بالتي هي أحسن، انطلاقا من العقائد والأسس المشتركة؛ لأن أصول عقيدة كل هذه الطوائف هي الإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر، والعمل الصالح. قال عز وجل: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى" وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" البقرة: 62
إن الموقف من أهل الكتاب هو موقف التعايش السلمي، والقرآن الكريم يدعو إلى هذا التعايش حينما قال: " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى" كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ" أل عمران: 64، وحين نهى عن استخدام العنف في المجادلة بقوله: "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"سورة العنكبوت: 46.
قال الألوسي عند تفسيره لهذه الآية: «"ولا تُجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ" مِنَ اليَهُودِ والنَّصارى، وقِيلَ: مِن نَصارى نَجْرانَ "إلا بِالَّتِي هي أحْسَنُ" بِالخَصْلَةِ الَّتِي هي أحْسَنُ؛ كَمُقابَلَةِ الخُشُونَةِ بِاللِّينِ، والغَضَبِ بِالكَظْمِ، والمُشاغَبَةِ بِالنُّصْحِ، والسَّوْرَةِ بِالأناةِ، كَما قالَ سُبْحانَهُ: "ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ" المُؤْمِنُونَ: 96، .
يتبع