موقِفاً جَماليّاً (Esthetic) يقتصرُ على التّأمّلِ والانتِباه المُتَعاطِفِ المُنزَّه عنِ الغَرَضِ النّفعيّ أو العَمَلِيّ، وهو موقفٌ لا يُشبِعُ حاجاتِ الإنسانِ الحقيقيّةِ إلى الجَمالِ؛ لأنّ الخلوَّ عن الغاياتِ والمَقاصدِ النّافعةِ خلوّ عن المَعْنى، أمّا الجَمالُ النّبويّ فَهُو وعدٌ عظيمٌ متجدّدٌ ببناءِ إنسانِ المَعْنى والقيمَةِ في كلّ عصرٍ. ولا يتحقّقُ هذا الجَمالُ النّبويّ إلاّ إذا تغيّرَت زاويَةُ النّظرِ إلى الجَمالِ والقيمَة، من التّجريدِ وعدمِ المنفِعَةِ إلى الوُجودِ الواقعيّ المَعيشِ والتّربيّةِ الرّاقيَةِ.
لقد وَرَدَت أحاديثُ كثيرةٌ تصحِّحُ مَفْهومَ الجَمال مِثْلَ قولِه صلّى الله عليه وسلَّمَ: «عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: لا يَدْخُلُ الجنةَ مَن كانَ في قَلبه مِثقالُ ذَرّة مِن كِبْر. قالَ رَجلٌ: إنّ الرّجلَ يُحبّ أن يَكونَ ثَوبُه حَسناً ونَعلُه حَسَنةً. قالَ: إنَّ الله جَميلٌ يُحبُّ الجمالَ، الكِبْرُ بَطرُ الحقّ وغَمْطُ النّاسِ» صَحيح مُسلم: 1 /93] باب تحريم الكِبْرِ وبيانه.
وعن أبي هريْرَةَ أيضا أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلَّم قالَ": أيها الناس إن الله طيبٌ لا يقبلُ إلا طيباً. "صحيح مسلم: 2 /703 ، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها.
وعَقَدَ ابن حبّانَ في صحيحِه باباً في ذِكْرِ الاستحباب للمرء أن يُرى عليه أثرُ نعمة الله وإن كانت تلك النعمة في رأي العين قليلة؛ إذ القليلُ مِنْ نِعَمِ الله كَثير "صَحيح ابنِ حبّان: 12 /236
وهكذا فَجَمالُ أثرِ النّعمةِ وجمالُ الثّيابِ وكلُّ جَمالٍ باطنٍ لا يُرى ولكنّ لَه أثراً بادِياً، يدخُلُ في مفهوم “الجَمال في كلّ شيْءٍ” بِطريقِ العُموم، إذا كان لله وأعانَ على طاعةِ الله، ومُجمَلُ القولِ أنّ الله سُبْحانَه يُعبَدُ بالجمالِ الذي يُحبّه من الأقوالِ والأعمالِ والأخلاق، فالجمالُ هو الذي يُجمّلُ اللّسانَ بالصّدقِ، ويُجمّلُ القلبَ بالإخلاصِ والمحبّةِ والإنابَة، ويُجمّلُ الجوارِحَ بالطّاعَةِ، والبَدَنَ والثّيابَ بالطّهارَةِ وإظهارِ أثَرِ النّعمَة.