"وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" يونس: 25.وهو الذي هدى سائر الخلق من الحيوان إلى مصالحها، وألهمها كيف تطلب الرزق، وكيف تتقي المضار والمهالك كقوله تعالى: "الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى" طه: 50.
قال تعالى: "وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" الحج: 54. قال ابن جرير: "وإن الله لمرشد الذين آمنوا بالله ورسوله على الحق القاصد، والحق الواضح" وقال تعالى: "وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا" الفرقان: 31.
قال ابن جرير: "يقول تعالى ذكره لنبيه: وكفاك يا محمد بربك هادياً يهديك إلى الحق، ويبصرك الرشد".وقال السعدي: "الهادي: أي الذي يهدي ويرشد عباده إلى جميع المنافع وإلى دفع المضار، ويعلمهم مالا يعلمون، ويهديهم لهداية التوفيق والتسديد، ويلهمهم التقوى، ويجعل قلوبهم منيبة، إليه منقادة لأمره".
• أنواع الهداية:
قال القرطبيّ رحمه الله: "الهدى هديان:
1 - هدى دلالة: وهو الّذي تقدر عليه الرّسل وأتباعهم، قال تعالى "وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ" الرعد: 7 وقال "وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ" الشورى: 52 ، فأثبت لهم الهدى الّذي معناه الدّلالة والدّعوة والتّنبيه.
2 - وهدى تأييد وتوفيق: وهو الّذي تفرّد به سبحانه، فقال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم:"إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ" القصص: 56 فالهدى على هذا يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب.ويقول الفيروز آبادي: "وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أضرب:
الأوّل: الهداية الّتي عمّ بها كلّ مكلّف من العقل والفطنة والمعارف الضّروريّة، بل عمّ بها كلّ شيء حسب احتماله، كما قال تعالى: "رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى" طه: 50.
الثّاني: الهداية الّتي جعلت للنّاس بدعائه إيّاهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك، وهو المقصود بقوله: "وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا..."الأنبياء: 73.
الثّالث: التّوفيق الّذي يختصّ به من اهتدى، وهو المعنيّ بقوله: "وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً.." محمد: 17، وقوله "وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ" التغابن: 11.
الرّابع: الهداية في الآخرة إلى الجنّة، وهو المعنيّ بقوله: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا" الأعراف/ 43.
وهذه الهدايات الأربع مترتّبة. فإنّ من لم تحصل له الأولى لا تحصل له الثّانية، بل لا يصحّ تكليفه. ومن لم تحصل له الثّانية لا تحصل له الثّالثة والرّابعة.
• الهداية تَجُرُّ الهداية:
يقول الله تعالى: "وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ" محمد: 17 . قال ابن جرير رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: وأما الذين وفَّقهم الله لاتباع الحقّ، وشرح صدورهم للإيمان به وبرسوله من الذين استمعوا إليك يا محمد، فإن ما تلوته عليهم، وسمعوه منك " زَادَهُمْ هُدًى " يقول: زادهم الله بذلك إيمانا إلى إيمانهم، وبيانا لحقيقة ما جئتهم به من عند الله إلى البيان الذي كان عندهم.
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: "أي : والذين قصدوا الهداية وفقهم الله لها فهداهم إليها، وثبتهم عليها وزادهم منها، "وآتاهم تقواهم" أي : ألهمهم رشدهم".