ذكره ربنا جل جلاله بصفته في سورة التوبة فقال سبحانه "إِلَّا تَنْصُرُوهُ" أي رسول الله صلى الله عليه وسلم "فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ" يعني أبا بكرٍ رضي الله عنه "لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا (40) التوبة" وهناك في آخر سورة الليل يقول سبحانه "وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21) الليل"
الْأَتْقَى هاهنا كما يقول ابن كثير رحمه الله بإجماع المفسّرين هو الصديق أبو بكر رضي الله عنه. هذا الرجل المبارك هو أول من أسلم من الرجال ولمّا أسلم ما قبع في بيته و لا انتظر أمر الله عز وجل ليصنع ما يشاء بل سعى رضي الله عنه في تبليغ الدعوة فأسلم على يده ستةٌ من العشرة المبشّرين بالجنة سعد بن أبي وقاص، عبد الرحمن بن عوف، أبو عبيدة ابن الجراح، طلحة ابن عبيد الله هؤلاء جميعاً أسلموا على يد أبي بكر رضي الله عنه ومعهم عثمان بن عفان والزبير بن العوام هؤلاء الستة يأتون يوم القيامة بصلاتهم وصدقتهم وصيامهم وحجهم وعمرتهم وبرّهم وجهادهم وإحسانهم يأتون في ميزان أبي بكر رضي الله عنه لأنه هو الذي دعا إلى هذا الهدى. ما تخلّف عن مشهدٍ من مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فارقه في سفرٍ ولا حضر وفي يوم الهجرة كان رضي الله عنه تارةً يسير أمام النبي صلى الله عليه وسلم وتارةً خلفه وتارةً عن يمينه وتارةً عن شماله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لِمَ تصنع ذلك؟! قال "يا رسول الله أتذكّر الرَصَد فأسير أمامك وأتذكّر القلق فأسير خلفك وأتذكّر العدو فتارةً أسير عن شمالك وتارةً عن يمينك قال يا أبا بكر: أتحبّ أن يصيبك المكروه
دوني؟ قال نفسي لنفسِك الفداء يا رسول الله. "لمّا وصل إلى الغار قال "على رِسلك يا رسول الله" دخل رضي الله عنه تفقد الغار ما وجد فتحةً إلاّ قطع من ردائه وألقمها حتى أمّن الغار ثمّ طلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يدخل. هذا الرجل المبارك في خبر الإسراء كان شأنه عجيباً لمّا جاءه المشركون قالوا "يا أبا بكر أما سمعت ما يقول صاحبك؟! قال "وما يقول؟! "قالوا "يزعم أنه خرج من مسجدنا فأتى مسجد إيلياء ثم رجع من ليلته "قال أبو بكر رضي الله عنه "إن قال "فقد صدق فإني أصدقه في أعظم من ذلك في خبر السماء يأتيه في ساعةٍ من ليلٍ أو نهار "فسمّاه النبي صلى الله عليه وسلم الصدّيق. هذا الرجل المبارك كافأه النبي صلى الله عليه وسلم لمّا صعد على المنبر قبل وفاته بأيام قال:" والله ما نفعني مالٌ مثل ما نفعني مالُ أبي بكر ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا، ما بقيت لأحدٍ يدٌ في الإسلام إلا ّجزيناه بها إلا ّأبا بكر فإن له يداً يجزيه الله بها يوم القيامة".
قام بالأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوطّد للإسلام سلطانه وقوّى أركانه ونشر الإسلام في أرض الله فكانت بداية الفتوحات في عهده رضي الله عنه حتى لقي ربه راضياً مرضيًا.