ضمن مهرجان مسرح الأمل: مسرحية «خرف» في سجن برج العامري إخراج هدى اللموشي: المجتمع يزرع الخوف والظلم

«وين كان المسرح قبل الربطية» هي الجملة التي ترددت كثيرا اثناء العرض وبعده من كل النزلاء، الذين تماهوا مع الشخصيات

وعاشوا ساعة من الحرية المطلقة فحلقت الأجساد ورحلت الأفكار وأبدعوا في تقديم الشخصيات بكل حرفية في مسرحية «خرّف».
«خرّف» خمس شخصيات على الركح، شخصيات رجالية وأخرى نسائية (يقدمها نزلاء رجال) من تمثيل نادي المسرج بسجن برج العامري بتأطير الأستاذة هدى اللموشي وهي صرخة ضدّ المجتمع وظلمه وانتصار للمراة ولقدرتها على تحقيق العدل ونشر ثقافة الحب، المسرحية تندرج ضمن مشروع «تجليات مودع» الذي ينظم بالشراكة بين جمعية رؤى للثقافة والفنون والهيئة العامة للسجون والاصلاح والمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب بدعم من برنامج «تفنن تونس الابداعية».
المسرح صوت للحقيقة المكتومة
«خرّف» صوت الحقيقة المكتوم داخلهم وداخلنا، صوت المكابرة واللامبالاة التي يدّعونها وندّعيها، بين الهم على الركح والنحن في القاعة الكثير من نقاط التشابه فجميعنا بشر وكلنا نخطئ وجميعنا يخفي مشاعره حتى لا يظهر بحالة الضعف لكنهم اشد جرأة لأنهم يصعّدون الوجع على الركح يعانقون الحرية دون خوف، هم «النزلاء» ونحن «الأحرار» يجمعنا خيط الخطإ الرقيق وعلى الركح كسروا كل الحواجز وكانوا ممثلين أحرار، رقصوا وغاصوا في دواخلهم ليخرجوا طاقة رهيبة من الحب و اللعب الدرامي الصادق فاستوطنوا قلوب المتفرجين الذين اكتفوا بالدموع والتصفيق كوسيلة للتحية بعد العرض.
«خرّف» عرض يكرم المرأة ويعترف بدورها، فالمرأة الأم والوطن، المرأة الولادة وعنوان المحبة والصدق، هي التي يحتاجها الرجل لحظات الضعف والقوة، هي جيشه الوحيد أثناء الخسارة، كانت المرأة محور العمل وكل شخصية تتحدث عنها بطريقتها الخاصة والمميزة، وبين الشخص والشخصية تشابه فهم نزلاء لهم حكايتهم مع المرأة ايضا.»
الشخصيات على الركح تحكي علاقتها بالأنثى امرأة ووطنا، خمس شخصيات تختلف قصصها وتجتمع في محاولة تكريم المرأة.
الشخصية الاولى لأستاذ أضاع حلم الاستاذية بعد وفاة أمه وعوض «يقرى ويقرّي» يجد نفسه هائما تاركا الدراسة ومقاعدها، الشخصية الثانية للفنان عازف العود الذي يمنعه المجتمع وعاداته من الزواج بحبيبته فقط بتعلة الفارق الاجتماعي فيترك الموسيقى والحب ويهيم في بحر الضياع والخوف، الشخصية الثالثة «زوزو» الجميلة والحالمة، المراة القوية التي يلفظها المجتمع بتعلة «شكونو بوك»، «زوزو» تختار الرقص مهنة علّ جمال جسدها ينقذها من فكرة الرفض والنبذ، والشخصية الرابعة «شوشو» (شادلية) تلك الفتاة التي حلمت باتمام دراستها والنجاح لكنها بيعت في سوق يشبه سوق العبيد (عمالة الاطفال) وتعرضت لكل أنواع التعذيب الجسدي والجنسي والنفسي، الشخصيات على الركح اختلفت قصصها لكنها اشتركت في نقد المجتمع وبؤسه في غياب الأم.
جميع هذه الشخصيات وحكاياها يربط بينها جامع القمامة الذي يتقن الرقص ويقدم «صولو» مبهر جدا، جامع القمامة هو النهاية، ربما هو الموت او لحظات الضعف التي تجتمع فيها كل الشخصيات بعد عمر من الوجع والخوف، يحاول اخفاءها ومعها ردم قصصها داخل الحاويات فتظهر عنوة وتخرج الرؤوس لمواصلة القصة وكان بالممثلين يقولون انّ لا نهاية للشر ولا نهاية لقصص المظلومين و»الناس الي تعاني ونساتهم الاغاني» وهي اغنية الختام في المسرحية.
السينوغرافيا تتماهى مع اداء الشخصيات
صوت الملالية يرتفع، اهزوجة نسائية تتغنى بالوجع، صوت يخترق الحضور، عبرات احدى الأمهات تسبقها بمجرد سماع الاغنية ثمّ مشاهدة ابنها على الركح، تبكي وتضحك في الوقت ذاته وكأنها الأخرى تصنع فرجتها المسرحية المختلفة.
الديكور بسيط، ستائر حمراء اللون كتب فوقها شعارات «نحب نحلم» و»نحب نعيش» و»نحب المسرح» و»14اوت» و الجملة الأكثر كتابة «نحبك امي»، الديكور يحمل المشاهد الى عوالم العرض، خمس حاويات قمامة يدخلها احدهم ، شخصية جامع القمامة او «الزبال» هي المحرك الأساسي للشخصيات وداخل تلك الحاويات الشخصيات التي يفتح لها الباب لتتحدث وتتقمص الدور قبل ان يعيدها الى الحاوية.
«الحاوية» تشبه البلاد المسكونة بطاقة الخوف والشر وانتشار القمامة المعنوية اي قيم الشر والعنف وعدم احترام القانون تلخص مخرجة العمل كل ذلك في حاوية القمامة، خرّف عرض مسرحي متكامل جمع كل مقومات النجاح وللسينوغرافيا دورها اذ تماهى الضوء مع الموسيقى، الضوء يتغير حسب الوضعية الدرامية والمشهد المقدّم فهو احمر حين الحديث عن فكرة الموت او مشهد اليتم الذي يعيشه الاستاذ، ليكون ازرق بهيا في مشهد رقص زوز مشهد الفرح ليصبح اصفر قاتم قتامة الخوف الذي سكن شوشو وكذلك الموسيقى هي رقيقة حين الاشارة الى الصفاء والامل وقوية عنيفة في الحديث عن الخوف والعنف واليتم وكل ما تتعرض له المراة من اضطهاد رجالي وعنف مجتمعي وتناسق الموسيقى والإضاءة تتماهى أيضا مع حركات الممثلين الذين نجحوا في اخراج طاقة تمثيلية مبهرة.
في «خرّف» نجحت هدى اللموشي في الوصول الى اعماق الاشخاص ليتقمصوا الشخصيات بكل تلك الدقة والحرفية، نجحت في الوصول الى اعماقهم واخراج مايخفونهم على الركح، شخصيات جريئة خاصة الشخصيات النسائية، «زوزو» و»شوشو» كلتاهما تلبس ملابس نسائية كمغرية ويقدمون لوحات راقصة بكل دقة حدّ الشعور ان من يرقص هي امراة محترفة رقص وليست رجلا، الممثلون لم يخجلوا من المشاهد الجريئة ولا مشاهد الحب بلّ قدمت وتماهت مع الديكور والموسيقى ليكون العرض مقنعا ومتكاملا قدمه ممثلون اتقنوا جيدا لعب الدرامي ولبسوا شخصياتهم إلى حدّ التماهي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115