ياسمينا خضرا: الضابط المتستر يرجع بإصدار جديد

ليس صحيحا أن المرأة وحدها تفر إلى الرجل وتحتمي به، فثمة استثناءات تدعونا إلى تغيير الكثير من الرؤى و القناعات .

ولعل تجربة الكاتب الجزائري محمد مولسهول الذي اختار أن يعيش في ثوب امرأة هو أفضل نموذج على ذلك.
مسيرة حياتية و إبداعية منفردة لكاتب اختار أن يتورط قاصدا في الأنوثة دونما حدود،ذلك منذ أن فضل توقيع كتبه باسم أول قارئة له وهي زوجته .
يومها قالت له «أعطيتني اسمك مدى الحياة و أنا أعطيك اسمي للخلود»، ليقرر محمد مولسهول التوقيع باسم يامينة خضراء كافة مسيرته المهنية،لكنه أضاف حرف السين تيمنا بزهرة الياسمين في حياته وهي الزوجة التي دعمته وقت الشدة دون شرط أو قيد.
فعانق بذلك القلم وولد قبيلة من الكلمات جابت أنحاء العالم وترجمت إلى ثلاثين لغة تحت مسمى «ياسمينة خضراء».
مع ياسمينة خضرا ينتصر الحب على العنف
مازال هذا الكاتب الجزائري ،صاحب الكتابة الفارقة،عندما يكتب يبهر قراءه.
فرغم انه متحدث سيء وصدامي أثناء نقاشاته في الحوارات التلفزية إلا أن أسطوله الروائي يحمل أدبا امتزجت فيه توهج الكلمة مع جمالية النص وخلقتا أسلوبا فريدا من نوعه.
وقد عاد هذه المرة بمولود أدبي جديد مستوحى من قصة حقيقية. ففي عام 2000 اثر 36 سنة في الجيش الجزائري، التقي خضرا بـ«دومينغو» صاحب مطعم صغير في المكسيك تمكن من إنقاذ ابنته من بين براثن عصابات خطيرة هناك.
فألهمته شجاعة هذا الأب لكتابة رواية «من اجل حب أيلينا»، رواية مزيجها مشاعر صادقة وعنف صادم تحكي قصة حب في المكسيك وسط حرب العصابات.
مغامرة شبابية وقصة صبر المراهق «دياغو» وهو بطل الرواية الذي غادر مسقط رأسه في ولاية «تشيهواهوا» المكسيكية بحثا عن وسيلة إنقاذ حبيبته المفقودة في «سوسيدادخواريز» المدينة الأكثر خطورة في العالم.
ثم غرق الشاب مع ابن عمه في خضم حرب العصابات، في جحيم و رعب حيث تكثر المخدرات وتسمع طلقات الرصاص باستمرار.
لكن في قلب عالم ينال منه العنف الشديد تظل الحاجة إلى الحب هي المفر.
هذا ما اختاره ياسمينة خضرا لقراء روايته الجديدة، تداخل في الأحداث و صراع بين الشخصيات لأجل هدف واحد وهو حب «أيلينا» التي سيطرت على بطل الحكاية وجعلته سجينا للهوى متربعة على عرش قلبه كخلاصها الوحيد من عالم العنف و الجريمة.
الرواية وطن يحلو العيش فيه
«أنا اكتب لان الرواية وطني وفيها أعيش، فانا الرئيس تارة و العسكري تارة أخرى»، هذا ما أجاب به ياسمينا خضرا عن سؤال كيف تتجدد افكارك كمبدع روائي؟ فرغم تقارب مواضيع اهتماماته الأدبية إلا أن لكل رواية روح جديدة و بنيان مرصوص.
«سنوات كابول» و «الصدمة» و «بما تحلم به الذئاب» و»ابنة العم كافور» و «صفارات إنذار بغداد» ثم «دجال الكلمات» و «فضل السراب على الواحة» وصولا إلى أشهر رواية جزائرية وهي «ما يدين به النهار لليل»
رواية حققت أرقاما قياسية إن لم تكن على الأوراق كانت في قاعات السينما.
وهو الذي يكتب بلغة موليار لكنه يخطو بطريقه في الأدب بحس الجزائري والعربي المسلم وشعور الأديب الحسي وعزيمة العسكري المسؤول.
فقد اختار لغة أجنبية ليعبر عن طريقها بنفس بوليسي يقوم على التشويق و الإثارة ويقطع مع الرتابة الكلاسيكية للأعمال المتناولة لقضايا عميقة تواترت بزوايا مختلفة كالإرهاب والعنف وحوار الحضارات وغيرها التي طالما خاض فيها كثيرون لكن لم يتشابه فيها احد بإبداع ياسمينة خضرا.
أفغانستان والعراق وإسرائيل والجزائر، بلدان جالها قراؤه من خلال قصص جميلة على خلفيات واقعية بشخصيات يستلهمها من تجاربه الحياتية.
رواية «الصدمة»، نقطة فارقة ازدادت نجومية خضرا بعد النجاح الكبير لرواية «الصدمة» التي صدرت سنة 2005، عن حياة المقاومة الفلسطينية في ظل الاحتلال الصهيوني.
وكانت تلك الرواية من أروع ما كتب الضابط المتخفي بعين جزائرية، إذ بيع منها ما يقارب نصف مليون نسخة وجعلت القصة الفرنسيون يتفهمون المقاومة بعد أن اقر فيها خضرا أن المجتمع الإسرائيليقادر على فعل الخير،ليجرب ذلك القارئ الغربي ويجذبه إليه.
والمتأمل في الرواية يتوقف لوقت طويل قصد التمعن في تفاصيل أحداثها و استيعاب مفارقة الوضع الفلسطيني الأليم، ورصد المعايير غير الإنسانيّة التي تكيل بها الإدارة الصهيونيّة في أرض الجبّارين، لإنهاك الفلسطينيّين والتسلي بآمالهم وطموحاتهم، ولا يختلف ذلك عن رأيه في روايات أخرى «كسنوات كابول» و «صفارات إنذار بغداد» عن الجريح المحتل، بغداد الحبيبة.
ليقول إن العنف الحقيقي لم و لن يكون عربيا، بل إن العربي وجد نفسه ضحية لأطماع جيو-إستراتيجية.
ومن خلال ذلك اقر خضرا كلمة قالها ذات مرة «إن الكاتب يستطع تغيير الكثير من الأشياء».
حرية أم نجومية ؟
روائي اثر أن لا يعيش مجد الكتابة وان يكتفي بمتعة ولادة النص محبذا أن ينأى عن أضواء الحياة الأدبية ويعيش لسنوات الحرمان من إمكانية توقيع كتبه وحضور لحظات تتويجها مع القراء.
هو المتخفي داخل اسم سيدة حياته، فارا من كل أنواع التأثيرأو الضغط حتى يتسنى له الكتابة بمطلق الحرية.
اليوم العاشر من جانفي عام 1955 شاهد على ولادة احد أفضل رواد العالم الفرنكوفوني بولاية بشار في الصحراء الجزائرية.
لم يمنعه التحاقه بالأكاديمية العسكرية من ممارسة شغفه المتستر بالكتابة. ليصبح ضابطا روائيا قبل أن يرفع النقاب عن الهوية التي أخفاها طيلة ست و ثلاثين سنة مغادرا بذلك صفوف الجيش.
لكن الفتى القادم من عمق الصحراء الجزائرية ظل وفيا للاسم الذي كان نجم نجاحه.
فتواترت قصصه بما تحمله من الكم الهائل من الحب و الجمالية السردية في سلسلة من الروايات المتمحورة حول ظاهرة العنف والمنحوتة بخبرة و إتقان عاليين، ليأخذ القراء إلى نماذج رومانسية متخيلة عن الحياة الجزائرية العربية ويعبر عما يجول في خاطره ووجدانه كأديب عالمي استطاع مع نهاية سنة 2006 أن يصل إلى ترجمة رواياته إلى أكثر من ثلاثين لغة أجنبية.
فكبسة زر في الانترنت على محرك البحث قد تكون كافية حتى تجد في لمح البصر قراء من أنحاء العالم تبحثون عنه وعن أعماله.
نجاح شاهق في مجال السرد وجوائز عديدة و كتب تمثل قوائم أفضل المبيعات في المجال الفرنكوفوني.. تلخيص لمسيرة المدير الحالي للمركز الثقافي بباريس.
ذاك العسكري المتورط في الأنوثة حد التلبس.

جيهان مكاحلي (متربصة)

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115