المركز الثقافي محمود المسعدي: مهرجان مسرح الأمل: مسرحية «المتوحشون الطيبون» سجن سليانة - تأطير صالح الفالح المسرح نقد للذات ومحاولة لإصلاحها

ذوات حرة في فضاء مغلق، ذوات حالمة خلف جدران صماء عالية، جعلت المسرح صوتها والحركات الدرامية وسيلتها للتعبير،

وبطريقة تجمع بين السخرية والنقد غاص أبطالها في دواخلهم وأشركوا الحضور معهم في قصصهم وحكاياتهم فداخل كل شخص منا «ذات» أخرى خطاءة يحاول إخفاءها عن الآخرين وعلى الركح استطاع أربعتهم تعريتها والكشف عن خباياها.
شون الطيبون» هو اسم العرض المسرحي، من إنجاز نزلاء سجن سليانة وتاطير المسرحي صالح الفالح، قدم العرض صبيحة امس الخميس 25مارس في قاعة المركز الثقافي محمود المسعدي في افتتاح مهرجان مسرح الامل الذي ينظم بالشراكة بين جمعية «رؤى للثقافة والفنون» والهيئة العامة للسجون والاصلاح والمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب.
وضعيات درامية لنقد المجتمع والسلطة
«المتوحشون الطيبون» قصص الهم والنحن، صراع الأنا والآخر قدمه أربعة ممثلين بطريقة ساخرة وناقدة، نقدوا المجتمع التونسي ونقدوا القوانين ونقدوا العلاقات المجتمعية والمعاملات المهنية، وضعيات درامية مختلفة صنعها الممثلون وانطلقوا من الذاتي للحديث عن الموضوعي وبدأوا من الأنا ومشاكلها لينقدوا الآخر والهو، ويبرزوا الصراع بين الحق والواجب والثنائيات العديدة التي يعيشها التونسي، فهو يتأرجح بين السواد والبياض، بين الأمل والألم وبين الفرح والترح وبين الحق والواجب كل هذه الصراعات تنقلها الشخوص مراوحة بينها بكل حرفية وفهم لما تقدمه على الركح.
مجموعة من المشاهد التي ينتقل بينها الممثلين لتقديم وضعيات درامية نقدية، ينقدون المجتمع في ظلمه وحيفه وينقدون الدولة التي باتت تضيق الخناق على أبنائها وتحاول وضعهم في خندق جد ضيق «سنستغني عن كل الكماليات، الحلم و التفكير منذ الآن نتمتع فقط بالاكل والنوم» جملة ساخرة من التضييقات وانعدام باب الامل لدى الكثير من التونسيين قدمت على الركح بوجع وأداء صادق فالمحروم من الحرية وحده القادر على تكثيف معاني الحرية وقيمتها.
المسرح مساحة للحرية والحلم:
المسرح مساحة حرة للنقد، على الركح اربع شخصيات، نص نقدي بامتياز، حركات جريئة ونص اكثر جرأة، ذوات حرّة عبرت بكل جرأة دون خوف، في العمل على الشخصيات يكشف الممثلون ما تخفيه ذواتهم استطاعوا النبش في الذاكرة لتقمص الشخصية والتماهي معها ومن ثمة الانطلاق في رحلة التغيير «المسرح عرفني بذاتي، اكتشفتها في البرايف، لم أكن اعرف قدرتي على الرقص او التقمص الا حين مارست المسرح» كما يقول احد النزلاء بعد العرض.
«بدل القانون52» ومن حق السجين التمتع بالادماج بالمهني بعد انهاء العقوبة» و»يجب احترام الذات البشرية للسجين» وشعارات أخرى ترفع أثناء العمل، مساحة من الحرية والجرأة يتقنها الممثلون أثناء اللعب، تجربة تكشف قدرة المسرح على «التنفيس» ومساعدة محبيه على الانخراط في مسار النقد دون خوف من السلطة او المجتمع.
يتحرك الأربعة بكل تلقائية، يغنّون حينا ويهتفون أحيانا أخرى، اللباس رياضي عادي يلبسه اي مواطن للتأكيد على مواطنتهم التي يدافعون عنها حتى وان وجدوا خلف القضبان ويقضون عقوبة سالبة للحرية فالحلم قائم ولازال الحلم يشرع ابوابه، غاب الديكور والكوستيم عن المسرحية وترك المخرج المساحة الكاملة للمثلين ليشدوا انتباه الجمهور وهم يمرون من مشهد الى اخر ومن حكاية الى اخرى تاركين لأجسادهم الحرية لتكتب حركات تتماهى من النص المكتوب، ايقاع الجسد ولغته جزء من المساحة المسرحية واللعب الدرامي والتجانس بين المنطوق والحركي وهي طريقة عمل صالح الفالحي مع ابناءه الممثلين.
«الطيبون المتوحشون» أربعة اشخاص يستخرجون نصهم من قصصهم، يحولون حكايتهم الى مادة مسرحية يكتبونها بالحب والخوف لتكون بذلك الصدق والجرأة، على الركح يمتزج الشخص بالشخصية فكلاهما يحلم وكلاهما مكبل وكلاهما يعترف بالخطإ ويبحث عن سبيل الخلاص والتمتع بالحق بعد انتهاء مادة الواجب، بين الشخص والشخصية خيط رفيع يبدع النزيل في المرور منه فيحمل المتفرج إلى عوالمه الداخلية يكشف له أسراره وأحلامه البسيطة أحيانا وفي الوقت ذاته يقدم له منفذ ليتعرف على الشخصية ويدرس اهمية الفعل المسرحي وتأثيرها عليها.
مهرجان مسرح الأمل:
المسرح حياة
ينجزون المسرح للمسرح، تجربة المسرح في السجون تجربة مختلفة وانسانية، في القاعة الواحدة يجتمع المدير وعون السجون وعائلة السجين في مكان واحد يشاهدونه وهو يقدم عرضه المسرحي ويصفقون لنجاحه فتختفي ولساعة زمنية كل الحواجز السجنية والادارية وتبقى فقط النزعة الانسانية و الانتباه لما يقدم على الركح.
مسرح الأمل مهرجان أنجز اخيرا، تعطل العديد من المرات بسبب فيروس كورونا لكنّ العمل مع النزلاء تواصل مع احترام البروتوكول الصحي ليرى المهرجان النور اخيرا ويقدم النزلاء عروضهم وسط جمهور يقبل بشغف ليشاهد الاعمال المسرحية، وفي الدورة الوليدة للمهرجان يلتقي الجمهور مع 30 عمل مسرحي توزعت بين السجون الرجالية والنسائية والاصلاحية، ثلاثون عملا مسرحيا تختلف مواضيعها لكنها تشترك في الدفاع عن حق النزيل في المسرحة فرجة ومشاركة والدفاع عن انسانيته بالفن، وانجاز المسرح للمسرح وزرع بذرة الامل بين النزلاء فالمسرح حياة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115