آلاف الكلمات والجمل تخترق القلب وتدخل الى العقل فتسكنه وتثير داخل الانسان الرغبة في مزيد الاكتشاف وصور عبد الله التونكتي تدفع متاملها إلى عشق تطاوين كولاية والجنوب التونسي عموما، تشده الى الهناك الى الجنوب الممتد وتدعوه ليزوره محمّلا بشيفرات الجمال.
أحب الصحراء، أحب «الوطن» وأعشق كل تفاصيله.. جباله وقراه القديمة وصناعاته اليدوية فاتخذ الكاميرا وسيلته ليوثق كل ما تشاهده العين من جمال وبنقلها الى الاخرين وبعد اربعة اعوام من الرحلة يلخص كلّ ما شاهده في «لحظات فوتوغرافية» في المعرض الذي يحتضن فعالياته المركب الثقافي بتطاوين.
المعرض الرحلة:
عبد الله التونكتي احب المدينة وعشق امكنتها فاختارها موضوعا للتصوير، عصامي التكوين من دراسة الميكانيك الى الفوتوغرافيا جلبه عالم التصوير وشده اليه ليصبح مدمن «صورة»، في معرض «لحظات فوتوغرافية» تبدأ الرحلة المكانية والزمانية، رحلة في العادات والتقاليد، سفرة بين الوجوه لتحكي للمتفرج قصص شيوخ المكان وذاكرة العجائز والحرفة اليدوية جميعها تناسقت وانسجمت ليكون المعرض جميلا ومتكاملا.
«لحظات فوتوغرافية» هي لحظات الحب الخاطف والحظات التي رسخت في الذاكرة وحفرت في القلب فاخترت التعبير عنها بالصورة هكذا يتحدث الفنان عن اسم معرضه، مضيفا انه خلاصة اربعة اعوام من التصوير والتنقل، اربعة اعوام من مصاحبة الكاميرا والحلم معها لنقل القليل من جمال الجنوب التونسي وسحره فالكاميرا عينه الاخرى والصورة كانت الصديقة التي سيعرف عبرها جمهور المركب الثقافي بتطاوين القليل من بهاء تطاوين وقابس ومدنين وجربة وقبلي مع جامع الزيتونة بتونس فللعمارة سحرها هي الاخرى.
«لحظات فوتوغرافية» هو اسم المعرض ويقوم على العديد من المحاور حسب صاحبه ومنها «البورتريه» فهناك وجوه شدتني إليها تجاعيدها تكتب قصص الاولين وتنقل عبق المكان، وهناك مساحة للتصوير الليلي ففي الجنوب تكون السماء اجمل ليلا ونجومها متلألئة وهناك مساحة لتصوير الخيول لأنني اعشق الخيول وأحب حركتها وسكناتها بالإضافة الى الطبيعة وتوثيق جزء من العمارة في شنني وقصر توكين وقصر اولاد دباب فجنوبنا غنيّ بالعماراة وتلك الحجارة تنقل حكايات مختلفة وتاريخ نريد توثيقه بالصورة كما يصف التونكتي معرضه.
اختلفت اللوحات والاسماء والمعاني لكن جميعها اشتركت في نقل حبّ المصور للمادة المصورة، اربعة اعوام من التصوير والتقاط لحظات حب مختلفة، اربعة اعوام من جامل المكان وقصص الكبار ينقلها التونكتي في معرضه، حصيلة سنوات من التنقل في ربوع الجنوب التونسي مصطحبا الكاميرا وارادة للحب وللحلم والجمال المنعكس على صوره.
اجتمعت تفاصيل الجمال في صورة
للخيول جمالها، صور بالأبيض والاسود وأخرى موشاة بالألوان تنقلك الى عوالم الفروسية والخيول، تكاد تسمع صوت رقصاتها و»دريز الخيل» يجلجل في المكان، الخيول شامخة شموخ المكان بين بن قردان وجربة التقطت الصور في تظاهرات ثقافية مختلفة تهتم اساسا بالتراث اللامادي للجهة، الخيول البيضاء والأخرى السوداء احبها الفنان فكانت الصور جد مختلفة، صور مشحونة بطاقة حبّ عجيبة وخيط لا مرئي يربط صاحب الكاميرا بالخيل، فالمصور اختار ان يصور محبوبته «الخيل» بلقطات مختلفة وحركات متباينة لينقل بهاءها وجمالها في معرضه الشخصي وكانه يدعو الجمهور لمزيد الانتباه لجمال الخيل اثناء الرقص او الهدوء.
اذا اردت معرفة تطاوين فالمعرض قادر على تعريفك بخصوصيات الجهة المعمارية، ساعة واحدة امام اللوحات المعروضة ستتعرف اكثر على شنني الباسقة الشامخة اعلى الجبل، تلك العروس البربرية بمنازلها الحجرية المترامية ومنسوجاتها المصنوعة بايدي نساء يكافحن للحفاظ على نسيج المرقوم، شنني البهية تدعوك للتجول بين اروقتها المصنوعة باتقان القدامى يبدع المصور في التقاط جزئياتها لتكون الجولة في ربوعها انطلاقا من اللوحة اجمل ويضمن استمتاع المتأمل ويفتح له باب الخيال حدّ الوصول الى اعلى القمة الجبلية ومن هناك يرى كل الجبال والقرى المتناثرة تحته تحييه وتدعوه لمزيد البقاء.
القصور الصحراوية ايضا من ميزات تطاوين وعنوان لزخم معماري، فالقصور وان تشابهت في الشكل الدائري الخارجي لكنها جدا مختلفة من الداخل وفي المعرض يقدم المصور قصرين اثنين كلاهما جميل، الاول قصر معروف ويمكن زيارته بسهولة هو قصر اولاد سلطان والثاني يوجد في قمة جبلية صعبة على الحالم تحمل صعوبات الطريق ووعورة الجبل ليصل الى قصر تونكت تلك التحفة المعمارية التي انقذتها الطبيعة والجبل من تخريب الانسان فحافظ القصر على شكله الخارجي وغرفه الداخلية وحرسه الجبل ليظل ايقونة للمعمار تلتقطه عدسة المصور ليبدو اجمل.
للوشم أسراره وللتجاعيد حكاياها، تلك التجاعيد المرسومة على وجوه الشيوخ والوشم على وجنتي العجائز تنقل قصص القدامي، تصور حكايات كتبها الزمن على الوجه، الكاميرا تقترب من الوجوه لتضخم خطوطها وجزئياتها وتنقلها الى المتامل وزائر المعرض، وجوه تشدك اليها قصة ما كتبت في العيون تلتقطها الكاميرا وتدعوك لفك شيفراتها، شيفرات من سكنوا الجبال واتخذوا الحرف اليدوية مهنا حياتية فتماهوا مع الارض والتحموا بحجارتها حدّ التشابك النفسي والروحي بين الارض والجبل وساكنيه وهي لحظات استوقفت التونكتي فاراد كتابتها بالكاميرا في لحظات فوتوغرافية.
تمتد الصحراء وتخفي الكثير من القصص والاسرار، تختلف العادات والتقليد اختلاف الوجوه، كلها تفاصيل تدعوا للسؤال وتحبب زائر المعرض ومشاهد الصور لزيارة الجوب واكتشاف سرّ الحب في الصور التي التقطتها كاميرا عبد الله التونكتي.