عرض «هارب من الدولة» لمنير العمار في التياترو: نحن الذين نصنع الإرهابيّ بالنبذ والعنف

من يصنع الإرهاب ؟ من يغذي طاقة العنف ويساهم في تطويرها؟ من يصنع أجسادا بشرية برتبة قنابل موقوتة قابلة للانفجار والتفجير؟

من يحول الانسان الى وحش كاسر لا يؤمن إلا بالموت؟ من يدفع بالشباب الى بؤر التوتر اهي دولتهم أم مجتمعهم؟ ام هو الفقر والخوف والدمغجة والبحث عن الذات؟
أسئلة طرحها منير العماري في المونودرام «هارب من الدولة» المقتبس عن كتاب «كنت في الرقة» للصحفي هادي يحمد والمونودرام من تمثيل منير العماري وإخراج وليد الدغسني وإنتاج شركة كلاندستينو، عرض يومي 17و18 بالتياترو ويعرض يوم 21مارس في فضاء كارمن و25مارس في المسرح البلدي و27مارس في الكاف.

على الركح تتحرر الارواح
قصص حقيقية انطلق منها الصحفي هادي يحمد في كتابه «كنت في الرقة» هذه القصص اعاد كتابتها مسرحيا منير العماري ووليد الدغسني في عرض مونودرام بعنوان «هارب من الدولة»، للعنوان اكثر من تفسير فهو متكون من مترادفتين الاولى «هارب» بمعنى ترك الشيء والفرار منه والثاني كلمة «الدولة» بما تعنيه من معاني «الوطن» و «الانتماء» فمن ايّ دولة تهرب شخصيات المسرحية؟ تهرب من دولة مدنية الى اخرى دينية، ام تهرب من دولة تضيق على ابنائها الخناق وتسلبهم حقوقهم الى اخرى تعلمهم ثقافة الموت والتفجير والتقتيل؟ هل يهرب من دولة البطالة و عطالة حاملي الشهائد العليا والدكاترة المعتصمين الى دولة الكثير من الاموال قبالة عدد اكبر من الرؤوس والقتلى؟ اهو هروب من دولة تسرق الاحلام الى اخرى تسرق الحياة؟

في «هارب من الدولة» تنطلق المسرحية بحوار مباشر بين الممثل والجمهور وكأنه يخاطب العقول لتصحبه في رحلته المسرحية بكل وعي وانتباه وقدرة على طرح السؤال، في العمل شخصية الأستاذ هي الرئيسية، يحلم بحياة افضل في «الدولة الاسلامية» التي اعتقد انها دولة الانصاف وتطبيق العدالة الالاهية على الأرض، زينت له كغيره من الشباب ارض «الرقة» موقع للسلم والسلام ليجد نفسه وسط الكثير من الدماء ورائحة الموت والعنف وجميعها تسكنه بالخوف اولا ثم محاولة الهرب فالاستسلام لشيطان الدم والوحش الذي يسكن الجسد البشري.

«هارب من الدولة» مونودرام مشحونة بالغضب والنقد والخوف، غضب من السلطة السياسية والمجتمعية وتأثيرها السلبي على الشباب ودفعهم الى دائرة الارهاب ونقد لنظام مجتمعي واقتصادي وتعليمي بال يهتم بالحشو وكثرة المواد دون الاهتمام الى استيعاب الشباب للمواد المقدمة او تأثيرها عليهم في حياتهم اليومية وخوف من خطر الدمغجة وخطر «الموت» القريب من التونسيين، موت له اشكال متعددة اولها اللباس الافغاني وثانيها عبارات التكفير والتخوين والهرسلة وثالثها دعوات مباشرة واستقطاب الشباب للحرب باسم «الرب» في سوريا والعراق وليبيا، هذا «الموت» المتلون» يخافه العماري فيقدمه في ملامح شخصياته التي يتقن التنقل بينها وبين مساحاتها النفسية والفكرة ببراعة ممثل احبّ الخشبة والمسرح حدّ التماهي.

الدولة المتهم الاول برمي ابنائها الى داعش
ممثل واحد وشخصيات متعددة، ممثل اوحد ونصوص وافكار متباينة ومختلفة يلعبها منير العماري على الركح متنقلا من شخصية الى اخرى ومن وضعية درامية الى اخرى مختلفة عنها معتمدا على طاقة عجيبة تسكنه على الركح فيبدو ان دماء ديوزينوس تبعث في شرايينه كلما صعد على الركح، وضعيات انسانية مختلفة يجسدها العماري يزرع الخوف على وجهه احيانا خوف شاب يجد نفسه وحيدا وسط الكثير من المقاتلين وأحيانا يزرع نصف ابتسامة هي ابتسامة الطفل حين يتذكر حضن الام والوطن، تتحول ملامح الوجه الى عبوس مطلق كالذي نراه على وجوه مقاتلي داعش وأمراء الموت عندهم.

كل الانفعالات النفسية ترتسم على ملامح الممثل المتعدد في تمازج مع الاضاءة والموسيقى فكل منهما عنصر أساسي في الفعل السينوغرافي تتحولان الى شخصيات تساعد الممثل على تقديم الوضعيات الدرامية و الاحداث، الموسيقى التي اتقن صناعتها محمد الهادي بلخير «ميش» هي صوت الخوف الداخلي والغليان الذي ينفجر فجاة ليتحول الى طقوس للموت والعنف.
والإضاءة تمتزج مع ماتعانيه الشخصيات من الم وضيم في اوطانها فتكون صفراء داكنة كأنها لحظات الخوف لتتحول الى بيضاء جميلة اثناء الحلم بوطن عادل يتمتع فيه الجميع بحقوقهم وتكون حمراء كما الدماء حين تتحدث الشخصية عن مراكز التدريب وما يعيشه المنتسبين الى الحركات الاسلامية المتطرفة تحديدا داعش، لتكون الاضاءة حلقة من حلقات نجاح مونودرام «هارب من الدولة» اخراج وليد الدغسني واداء منير العماري.

على الركح تعرى حقائق الوطن، الدولة هي المتهم الاول لدفع شبابها الى حضن داعش، النظام السياسي الجائر والتضييق على الحريات والمنظومة التربوية الهشة و السياسة الاقتصادية المجحفة والغلاء والبطالة هي الاسباب المباشرة لهروب الشبان من بلدانهم الى داعش، سياسة العنف والقمع البوليسي في الكثير من الاحتجاجات تجعل الشباب يبحث عن مكان اخر اقل عنفا وأكثر عدالة إلى حدّ السقوط في أخطبوط الحركات الارهابية التي تغريه بالعدالة والسلم والجنة ليجد نفسه قاتلا وحاملا لكل انواع الاسلحة بحثا عن الجنة الموعودة، في المونودرام عدم انتباه الدولة لابنائها هو السبب الاول لدمغجتهم وهروبهم من الدولة المدنية الى الاخرى ضبابية الجغرافيا والتاريخ.

على الركح ينقد العماري الدولة ونظامها، ينقد استسلام التونسيين امام انتشار الفكر الداعشي والدمغجة، من خلال شخصية موجعة ونص اكثر وجعا يطرح الاسئلة ويحاول ان يشاركه فيه الجمهور في النقد والتساؤل، عمل يشبه «الرجة» التي تدكّ ذهن المتفرج وتدفع به الى عاصفة السؤال والبحث عن اسباب هروب الشباب من بلدهم وارتمائهم في حضن داعش ففي العمل كلنا مسؤولين ومتورطين اما بالصمت او التشجيع او الرفض والنبذ وما الارهابيين الا صناعة قسوة مجتمعاتهم وجو ساستهم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115