الصورة سلاح قاتل قادر على زعزعة الانظمة وغطرسة الانسان، الصورة سلاح الحالمين بالأفضل ومطية المخرجين لينتصروا للإنسان.
وفي اختتام مهرجان الفيلم القصير كانت للصورة قدسيتها ومساحتها الفنية والانسانية فالصورة نقلت وجع حلب بعد الدمار وسرقت القليل من الأمل لتزرعه في خباياها فيلم «يوم واحد في حلب» لعلي ابراهيم فيوالصورة كانت صوت الجزائريين ونصيرهم في «الحراك» في فيلم «اوبجيكتيف حراك» لرضا منسل.
الكاميرا سلاح تكشف قبح الحرب
الكاميرا مرآة الصادقين ووسيلتهم لكشف الحقيقة والاقتراب من هواجس الإنسان ومشاغله، الكاميرا مطيتهم ليعبروا عن الوجع الساكن فيهم ويتشاركونه مع من يؤمنون ان الصورة اشد قوة من الرصاص أحيانا لأنها تخترق القلب وتحيي الذاكرة، هكذا يمكن وصف فيلم «يوم واحد في حلب» لعلي ابراهيم الذي عرض في اختتام مهرجان بانوراما الفيلم القصير.
الفيلم صامت دون كلمات ترك المخرج الكلمة للصورة، ترك لها كامل المساحة لتكشف قبح الحرب وبشاعة الأنظمة الاستبدادية وصراع الانسان للبقاء وسرقة القليل من الفرحة وسط الركام.
الفيلم مصور بدماء القلب ووجع الوطن، فاللون الأحمر موجود في كل الصور تقريبا، من شارة البداية كتب اسم الفيلم بالاسود والاحمر سواد الحرب وحمرة الدماء التي عاش على وقعها متساكنو حلب لاعوام، جولة صامتة تقوم بها الكاميرا، الدمار يملأ الصورة، اللون الاصفر وصوت صفارات الانذار او الانفجارات أو صرخة طفل تحت الانقاض صنع منها موسيقى الفيلم فجاء صارخا ضدّ الحرب والدمار والموت، للمشاهد ان يسال كل ذلك الخراب كيف استطاع تصويره دون الانهيار؟ كيف صمد امام قسوة الاوضاع وبكاء الاطفال وجثث القتلى التي طمست هوياتها وبقيت مجرد ارقام تدفن احيانا واحيانا اخرى تتلاشى مع الحيطان والبنايات بفعل القنابل والانفجارات المتعددة، لتكون الاجابة ايمان الصحفي بقيمة الصورة كوثيقة تاريخية ستظل شاهدة عبر الزمن على معاناة حلب ودمارها في الحرب.
فيلم يشعرك بالخوف، يحفز كل حواسك اثناء المشاهدة لا توجد فرصة لاتلقاط الانفاس وسط اكوام التراب والحجارة المتساقطة صوت القنابل تستشعر وجوده في القاعة، الصور الحقيقية الصادمة تعرّي قبح الانسان اثناء الحرب، تكشف قسوة السلطة امام الكرسي والرغبة في الحفاظ على المركز على حساب دموع الثكالى واوجاع اليتامى وتدمير الوطن وتشريد ابنائه، كلّ وجعه اختصره علي ابراهيم في فيلم «يوم واحد في حلب».
لكن وسط العتمة هناك بصيص امل من خلال مشاهد الرجل الذي يطعم القطط ويتقاسمهم طعامه كذلك الأطفال المجتمعون حول الألوان يرسمون بقايا حافلة ويحاولون تزيين الجدران واعطائها مسحة من الجمال والألوان، الأطفال عنوان للأمل وللغد ولعبهم بالألوان نهاية الفيلم رسالة أمل يوجهها المخرج لأبناء حلب ولكلّ السوريين الذين عانوا الخوف «مافي شي يخليني حسّ اني عايش غير الشعور بالخوف» كما كانت رسالة الفيلم.
فيلم «ابوجكتيف حراك» الفائز بجازة أفضل فيلم وثائقي
الصورة نصرت الحراك الجزائري
الصورة مقدسة كانت سيدة الفعل لها وقعها على المتلقي وتأثيرها على الأنظمة ايضا بقوة الصورة يمكن قلب انظمة واخافة الدكتاتورية وزعزعتها احيانا وفي الجزائر اعتمدوا الصورة وسيلة للمقاومة والصورة كانت نصير المحتجين لتصل رسائلهم الى كل العالم وتستجيب السلطة لمطلب احتجاجات «الحراك» الجزائري الذي وحد الجزائرين حول رفض المدة الرئاسية الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ويصبح 22 فيفري يوما وطنيا، يوم نزل فيه الجزائريين للشارع وعبروا عن رفضهم للنظام القائم كما نقل فيلم «ابوجيكتيف حراك» لرضا منسل.
احتجاجات انطلقت من الملاعب الرياضية واغان ترفض ترشح بوتفليقة لمدة خامسة، احتجاجات عمت كامل التراب الجزائري وجمعت كل الاطياف و الاعمار نقلت بالصورة، الصورة التي برع في التقاطها سفيان بكوري واحمد ايت سود وضحية جاسي ومحمد بوزيدي وميدو بابا علي خمسة شباب كانت الكاميرا سلاحهم لنقل احتجاجات الجزائريين الى العالم، الصورة وسيلتهم ليعبروا عن وحدة الجزائريين حول مطلب «رفض ترشح بوتفليقة» ثم مطلب الانتخابات ف»دولة مدنية لا عسكرية».
الصورة نقلت معنى التضامن بين أفراد الشعب الواحد «لم أكن اتصور مطلقا ان اشاهد مثل هذه الاحتجاجات في الجزائر، ولدت في عهد بوتفليقة وفي سفري كانوا يسالونني دائما عن رئيسنا ولا اجد الاجابة» كما تقول ضحية جاسي التي حملت الكاميرا لتكون صوت الجزائريين.
الصور سبقت القرارات الحكومية، صور الجزائريين متحدين يهتفون باسم بلدهم ويصرخون «يتنحاو قاع»، (أي جميعهم ) لكل صورة قصة، اشعر ان جميعها تشترك في الامل، صور الطلبة مثلا الذين ولدوا في ظل خيال بوتفليقة لكنهم قرروا الخروج للشارع والاضراب والاحتجاج ضد ترشحه، صور النسوة والاطفال، كلها تعني لي الامل في جزائر الغد» كمال يقول المصور سفيان بكوري.
في الفيلم نقل للتفاصيل، تقترب الصورة اكثر من ملامح الوجوه تركز على النظرة الحادة والاصوات الصارخة والايادي المرفوعة بعلم الجزائر، انتصار للمراة من خلال تعظيمها في اغلب الصور تكون هي محور الصورة ومركز العدسة، المرأة حضرت طالبة وعاملة، شابة ومسنّة وحاول الفيلم التقاط اكثر صور ممكنة للمراة الفاعلة في الحراك في بلاد جميلة بوحيرد التي سجلت حضورها في مارس 2019.
حراك 22 فيفري 2019 تواصل إلى بدايات العام 2020، حراك لقي نجاح اذ استقال بوتفليقة من الرئاسة واصبح للجزائر رئيس جديد واصبح 22 فيفري يوما وطنيا «يخلد الهبة التاريخية للشعب» ولكن «الحراكيون» دعوا لمواصلة الاحتجاجات التي توقفت بسبب فيروس كورونا وتداول العديد من النشطاء هاشتاغ «خارج ومش خايف» للخروج يوم 22فيفري 2021 للمطالبة «دولة مدنية مش عسكرية» ورفض اي مسار انتخابي يقوده مسؤولون من عهد بوتفليقة والدعوة لاطلاق سراح المحتجين الموقوفين دون محاكمة الى اليوم، كل هذه المطالب نقلت بالصورة لتكون الصورة سلاح الحاضر سلاح يقلب اشد الانظمة الديكتاتورية، لتكون السينما نصير المحتجين ورديف كل التحركات المطالبة بالحرية في كل البسيطة.
اختتام مهرجان «بانوراما الفيلم القصير»: السينما مرآة تعكس الواقع وتنتصر للحرية
- بقلم مفيدة خليل
- 09:50 06/02/2021
- 885 عدد المشاهدات
تتوغل في الذاكرة الانفعالية للإنسان، تشدّ انتباهه عنوة وتدعوه إلى اقتحام عوالم الحرية، تضعه أمام قبح ذاته وبشاعة الحرب وقتامة الدم والموت،