واستثمار كل مكوناتها للحياة والمقاومة، الرمل منه «نستلهم سرّ التقنية وتيمات الإبداع والصحراء» حسب تعبير علي اليحياوي كاتب سيناريو وصاحب فكرة مشروع «ديوان الرمل» العمل المشترك بين مركز الفنون الركحية والدرامية بتطاوين ومهرجان قرطاج الدولي.
«ديوان الرمل» من إخراج «لسعد بن عبد الله» رحلة موسيقية فرجوية بكتابة درامية، تمتزج فيها الإيقاعات بالصورة والأهازيج والحركات. تتقاطع في كل هذا مع الفضاء الصحراوي وتستلهم منه عوالمه السحرية والخيالية، تقلبه، تناقضاته بين السكون والحركة، الهدوء والعنف، الوضوح والغموض في لوحات راقصة أو عبر الرسم بالرمال.
«ديوان الرمل» : استحضار للصحراء وبحث في معنى الحرية
يخوض مركز الفنون الركحية والدرامية بتطاوين تجربة فنية جديدة، تجمع الموسيقى والرقص والمشهدية والرسم بالرمال هي «ديوان الرمل» من اخراج لسعد بن عبد الله وكتب نصها عاشق الصحراء والمتيم بقصصها مدير مركز الفنون الركحية علي اليحياوي.
«ديوان الرمل» هو رؤية جمالية متكاملة، تستحضر أسرار حركة الإنسان والكائنات الصحراوية كإيقاع سير الجمال، وقفز الغزلان وهسهسة الزواحف، وركض الخيل ورقص النساء والفرسان في احتفالاتهم كما في طقوسهم اليومية كالصيد، الترحال والبحث عن الماء كما تستحضر الرؤية الجمالية للعرض تقنية الرسم بالرمال التي تقوم على التقاطع بين الرسم والصورة والفنون الدرامية باستعمال الضوء وعرضه على الشاشة بشكل مباشر/ حي.
في الموسيقى ستكون الإيقاعات مزيجا من أهازيج النساء والرجال، وأصوات الآلات وأصوات الطبيعة والموسيقى التصويرية التي تترجم مناخ العرض وأجواءه.
«ديوان الرمل» هو عرض فرجوي، درامي، أوبيرالي، تتداخل فيه الموسيقى البدوية الصحراوية للجنوب الشرقي بالرقص التعبيري المعاصر. ويستحضر الفضاء الصحراوي بكل مكوناته، ويعيد ترتيب مفهوم الترحال عند البدو بما هو مسار روحي، تأملي في الوجود والعلاقة بالآخر، والمحيط والكون بحثا عن الجنة المفقودة: الحرية.
والصحراء التي يبحث فيها علي اليحياوي منذ أعوام انطلاقا من «كعب الغزال» الى «الرمال المتحركة» الى «راعي الصحراء» هي ليست المكان المضيق بل الفكرة الأكثر اتساعا كما الانسانية «لقد أردنا من خلال هذا المشروع البحث في ذاكرة الصحراء، الصحراء كمعطى ميتافيزيقي وليس بمعنى المكان الجغرافي المادّي، الصحراء كهوية ثقافية ثريّة بالطقوس والرموز والأساطير والقيم الرّوحيّة. فهي ليست فقط تلك الرقعة الجغرافيّة الممتدة التي نسكنها بل هي جملة الممارسات والشعائر والرموز التي تسكننا وشكلت مع مرور الزمن وجداننا الثقافي وهويتنا الخاصّة، هي تلك الخبرات والمعارف التي راكمها الأجداد في كل مراحل صراعهم مع المكان فانتج الفعل المتبادل بين الإنسان وموطنه» حدّ تعبير كاتب سيناريو ديوان الرمل.
ننطلق من المحلي إلى الكوني كما الصحراء
الفنان ابن بيئته هكذا يقال، الفنان يأخذ الكثير من خصوصيات مكانه ليصنع منها أعمالا فنية تنطلق من المحلي الى الكوني والصحراء كفكرة ومعنى وهوية ووطن سكنت علي اليحياوي وكانت دائما هاجسه الأول ليبدع ويقدم أعمال مسرحية وفرجوية تنطلق من المحلي جدّا لكنها مشحونة بقيم الكونية كما يسيكون «ديوان الرمل».
«انا ابن هذه البيئة، هنا ولدت الصحراء بالنسبة لي ليست فقط المكان هي تجربة روحية وميتافيزيقية وانطروبولوجية، خبرتها جيدا وخبرت قصصها وحكاياها واعرف انّ الصحراء والجنوب عموما ثري بحكايات ذات بعد كوني، قصص الشجاعة والحبّ والانتماء للفضاء المطلق أراها مكتوبة على صفحات رمال الصحراء» كما يقول علي اليحياوي كاتب سيناريو وصاحب فكرة «ديوان الرمل» لـ«المغرب».
ويضيف محدثنا في موضوع اشتغاله على تيمة الصحراء «عملنا على الصحراء انطروبولوجيا وفكريا، في اهتمامنا بهذا الفضاء الممتد نتقاطع مع ابراهيم الكوني خاصة لانه كتب الكثير عن صحراء سكنته، صحراء الكوني هي صحراؤنا الغنية بالقصص والتاريخ والاهازيج والاغاني التي نعمل عليها لتصل الى الجمهور المهتم بالموسيقى البدوية والكلمة المحلية التي تنطلق الى الانساني، فنحن لا نعمل على المحلي الضيق ، لا نشجع على العروشية او الانغماس فقط في الماضي والبقاء في دائرة «كان» المغلقة، إنما نأخذ من التراث والتاريخ ما يمكن ان يتلاءم مع الآني، نحن نعيش في الراهن، بحث جمالي وتساءل دائم عن أنفسنا وذاكرتنا وتسويق للقيم والملامح الانسانية التي سكنت وتسكن الصحراء».
ويشير مدير مركز الفنون الركحية تطاوين انّ العمل على الرموز والتعابير والقيم وإعادة إنتاجها فنيا يساهم في تجدّدها وحفظها من الاندثار ويساهم في تمتين علاقة الإنسان بموطنه، كما يساهم في تأصيل التجارب الفنيّة في واقعها الاجتماعي.
«ديوان الرمل» تجربة بحثية اخرى يخوضها الفنان علي اليحياوي في مركز الفنون الركحية بتطاوين، مبحث جمالي جديد يتناول تيمة الصحراء بقصصها وحكاياتها، دعوة اخرى للانطلاق من الخصوصية والبحث في المحلي عن سمات كونية مشتركة، تجربة تجتمع فيها جلّ الفنون انطلق العمل عليها لتكون جاهزة على ركح قرطاج الدولي، هي فرصة للغوص في خبايا الصحراء واستكشاف القليل من حكاياتها التي لا تنضب فالصحراء عالم مفتوح يستحق سبر اغواره والابحار فيه كما يفعل الفنان علي اليحياوي المنتصر لصحرائه.