مسرحية «راعي الصحراء» إخراج عايدة جابلي أول إنتاج للأطفال لمركز الفنون الركحية في تطاوين: تمازجت شعرية الكلمة وشاعرية الصورة للدفاع عن الصحراء

يصنعون الفرجة ويسرقون الإعجاب والإقناع، حركوا العرائس بكل مهارة وحملوا الأطفال إلى عوالم من الخيال، نقدوا وشاكسوا وعرّوا بؤس البعض في اختراق القوانين

وكانوا صوت الصحراء على الركح في مسرحية «راعي الصحراء» اول انتاج للاطفال لمركز الفنون الركحية والدرامية بتطاوين.

«راعي الصحراء» مسرحية عرائسية تحمل الطفل الى عوالم الصحراء المغرية بلغة شاعرية ورحلة في عوالم الخيال مضمونة، عمل من اخراج عايدة جابلي ونص لعلي اليحياوي وحرك العرائس التي صممها الحبيب الغرابي كل من الممثلين عبد السلام حميدي وحسان مري ورياض الرحموني وعائدة جابلي وبلقيس مصباح وتقني صوت شكري قمعون وتقني اضاءة ابراهيم دقنيش وملابس اسماء حمزة وتوظيب عام لعبد الله الشبلي.

مشهدية شاعرية لنقد الصيد العشوائي في الصحراء

المسرح التزام بالقضايا الكونية، مسرح الطفل التزام برسائل تربوية وتوعوية تقدم إلى المتفرج الصغير بأسلوب سلسل ومشاهد ممتعة ترسخ بذاكرته البصرية وفي الوقت ذاته تحفز فكره للسؤال والنقاش.

في «راعي الصحراء» اختلفت المواضيع والشخصيات لتقديم رسائل إلى الطفل المتلقي، إلى الصحراء كانت الرحلة المسرحية، رحلة فرجوية تشجع الطفل على الخيال وتدعوه لاكتشاف عوالم مبهمة وغامضة عبر المسرح، في «راعي الصحراء» نبش في ذاكرة الصحراويين ومحاولة ليعرف طفل اليوم ما تعانيه الصحراء من خطر بسبب الإنسان.

في المسرحية تجتمع مكونات الحياة في الصحراء أي الإنسان والحيوان (الفنك والأفعى والجمال والورل والعقرب والغزال) و النباتات (الشجيرات الصغيرة والاشواك) في عمل مسرحي واحد يحاكي الحياة في الصحراء و الخطر الذي يتهددها خاصة حيوان الغزال.

«راعي الصحراء» هو اسم المسرحية، اسم يتكون من مفردتين الراعي بما يحمله من دلالة الرعاية والسهر على حماية الشيء (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) والصحراء هي الفضاء الجغرافي المقصود ليكون معنى الاسم الساهر على حماية الصحراء ورعاية مكوناتها النباتية والحيوانية وتلك رسالة العمل.

راعي الصحراء» عمل نقدي يطرح موضوع المخاطر التي يسببها الإنسان للصحراء، المسرحية عرائسية أي أن كل الشخصيات الحاضرة هي عرائس يحركها ممثلين بلباسهم الأسود الموحد لمزيد تحفيز الخيال لدى الطفل، نص شاعري وفرجة مكتوبة بدقة لنقد ما تعانيه الصحراء من مخاطر تهدد حيوان الغزال الذي يتعرض إلى الصيد العشوائي.

في العمل تجسيد للإنسان وقرينه فهناك بشر لا يعترفون بالنواميس الطبيعية ولا يحترمون القوانين التي تضعها الدول لمنع الصيد العشوائي في الوقت ذاته يوجد بشر يعرفون انّ الطبيعة تحتاج الحماية والرعاية وهناك علاقة روحية مع حيوانات الصحراء فيسعون لحمايتها من بني جلدتهم وبين هذا وذاك يحدث الصراع المجسد في العمل المسرحي.

«راعي الصحراء» مسرحية مسكونة بالشعرية والشاعرية، عرائس مصنوعة بكل دقة وتركيز على التفاصيل، تمازج غريب بين المحرك وعروسته يعطيها من روحه ويسكنها من قلبه فتتحدث العروسة وكانها حقيقة، تناسق بين الحركة والمنطوق ودغدغة لخيال الطفل، عمل ينقل معاناة حيوانات الصحراء وقدرة البشر على انتهاك القوانين تنقل في مشاهد درامية ممتعة اتحد فيها النص والسينوغرافيا والتوليف بين كل العناصر لتقديم مسرحية تغري خيال الطفل وتشبع اسئلة وفكر الكهل.

تضافر عناصر السينوغرافيا لصناعة فرجة ممتعة

تمازجت عناصر السينوغرافيا لتقديم عمل مسرحي يحاكي الصحراء وقصصها، المشاهد المقدمة تبدو وكانها حقيقية، الضوء اصفر فاتح يشع كامل الفضاء لتبدو وكأنها شمس الصحراء منيرة، الألوان المستعملة تتدرج من البني الداكن الى الفاتح تدرّجات لون الرمال وحجارة الصحراء، القليل من الخضرة الممزوجة باللون الأصفر تتماهى تماما مع شجيرات الصحراء تلك النباتات التي تقاوم العطش والجفاف لتزهر وتونع.

الموسيقى تحمل الطفل إلى تفاصيل الصحراء، صفير وفحيح يشبه فحيح الأفاعي والأفعى تحضر في العرض تتحرك وتصارع لاجل البقاء وتصنع موسيقاها هي الاخرى، ونقرات تبدو كما وقع اقدام الجمال على الرمال وهي تجري وتقاوم العاصفة والجمال صنعت بدقة وأثّثت للفعل الدرامي التشويقي في المسرحية .

بالاضافة الى الديكور المتغير حسب المشاهد فقط الارضية لا تتغير قماش ابيض مربع الشكل وضع على الركح ومع انعكاس الضوء بدا اصفر لمّاع كانه أرضية صحراوية وتتحرك تلك الأرضية كلما انتقلوا إلى موضوع العاصفة او الرياح، فالديكور البسيط جزء من العملية الفرجوية والمشهدية المنقولة بدقة قد تُشعر الطفل انه حقا في عوالم الصحراء، الصحراء الشاسعة والغامضة يجدها امامه فيكتشف اكثر تفاصيله مع لعبة الضوء المراوحة بين الوضوح والغموض يتركون لخيال الطفل الحرية لمزيد التحليق ومحاولة اكتشاف ما خلف الاضواء (ماما شنوة ثمة في الظلام نسمع في صوت) كما تهمس احدى الحاضرات الى امها.

من عناصر الديكور العرائس التي أثثت للعرض بدت متقنة الصنع وكأنها حقيقية، فالجمال حين تظهر وسط العاصفة لا يرى الطفل من يحركها فقط يرى أعناق الجمال تتمايل تعاند الريح القوية الصوت، كذلك الفنك والورل والافعى يراهم يتصارعون في مشهد كأنه سينمائي فالصورة عبارة عن كاميرا وضعت في أعماق الصحراء ووثقت لعراك بين حيوانين، ملابس الراعي ايضا كانت عبارة عن «قشابية» بنية اللون ووجه اسمر لفحته الشمس حتى أصبح كذلك، كل تلك التفاصيل أثّثت لصورة أنيقة وصادقة نقلت الصحراء الى الطفل وجعلته جزء من اللعبة الدرامية.

علي اليحياوي أحبّ الصحراء وأختار المسرح ليدافع عنها

«أشعر بأنني مسكون بالصحراء، يعني لست من يسكن الصحراء ولكن الصحراء هي التي تسكنني لأن في الصحراء فقط يتجسد مبدأ وحدة الكائنات، في الصحراء تعلمت أن تكون الشجرة، أصغر شجرة أو أصغر نبتة قرينا لي، في الصحراء أيضا تعلمت تحريم أن تنتزع عودا أخضر، في الصحراء تعلمت أن لا أفقس بيضة طير» هكذا هي صحراء ابراهيم الكوني، نفس الصحراء بأسرارها وامتدادها سكنت علي اليحياوي كاتب نص «راعي الصحراء» واختار الصحراء الغامضة مطية للبحث والتجديد في مسرح الكهول من خلال عمل مسرحي ايقونة هو «كعب الغزال» انجزه مع مركز الفنون الركحية بمدنين، ولأنّ عوالم الصحراء عديدة ومواضيعها متعددة اختار اليحياوي ان يدافع عن معشوقته ويعرّف بها للاطفال في مسرحية «راعي الصحراء» اول انتاج للاطفال لمركز الفنون الركحية والدرامية بتطاوين، فاليحياوي فنان ملتزم ومسرحي يؤمن بقيمة المسرح لدى الطفل ودور ممارسيه في ايصال رسائل الحياة والجمال وصحراءه مسكونة بالحياة ابدا.

الحبيب الغرابي فنان عشق التفاصيل وأتقنها

فنان جدّ مختلف، قليل الكلام وكثير الإبداع، ابن الجنوب تعلم من الصحراء الشموخ وكسب منها مهارات عديدة، عشق الرمال فصنع منها أجمل المشهديات «مشهدية الرمال المتحركة» التي مثلت تونس في اوروبا وافريقيا، الحبيب الغرابي فنان تشكييلي متعدد المواهب، كلما انكب على عمل إبداعي كانت نتيجته رائعة، في مسرحية «راعي الصحراء» تحضر بصمته في العرائس المصنوعة بكل دقة لتبدو وكأنها حقيقية تتحرك أمام المتفرج، الحبيب الغرابي فنان متكامل يصنع عوالم الفرجة المبهرة هناك في الجنوب التونسي.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115