المواطنة وحرية المعتقد: على الدولة أن تضمن حريات مواطنيها الدينية

تحتفل تونس بالذكرى الحادية والسبعين للاعلان العالمي لحقوق الانسان وبهذه المناسبة عقدت جمعيتا الوحدة في التنوع والتلاقي للحرية والمساواة ندوة علمية فكرية للخوض في موضوع حرية المواطنة وحرية المعتقد.

اجتمع على طاولة الحوار اشخاص من ديانات متعددة: المسلم واليهودي والمسيحي والبهائي جميعهم وان اختلفوا دينيا وحدتهم الجنسية التونسية، وشارك في الندوة كل من سناء النوري ممثلة عن جمعية الوحدة في التنوع و وداد البوغانمي عن جمعية التلاقي وجميلة الكسيكسي مساعدة رئيس مجلس النواب والحاخام دانيال كوهين رئيس كنيس حلق الوادي والدكتور محمد بن موسى عضو مكتب الاعلام البهائيين بتونس والشيخ كريم شنيبة امام خطيب في الشان الديني وعمر فسطاوي ممثل مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان والاستاذة إكرام الدريدي أستاذة القانون الدستوري بكلية الحقوق بجندوبة.

حرية المعتقد بين النص والتطبيق؟
تمر عشرة أعوام على ثورة الحرية والكرامة وفي ظل ما سجلته تونس من تقدّم مرموق شهد به العالم اجمع في مجال احترام الحقوق والحريات العامة والفردية والتي كرسها باعتماد دستور 17جانفي 2014 إلا أن جانبا من هذه الحقوق والحريات ظل شكليا ومنها الوضعيات المتعلقة بالأقليات الدينية التي تعمل على التمتع بمواطنة كاملة. وفي هذا السياق يتساءل محمد بن موسى عضو مكتب إعلام البهائيين في تونس « هل يعقل أن يكفّر إنسان من مؤسسات الدولة فقط لأنه اختلف فكريا ودينيا عن الآخرين؟ّ وهل من الممكن في القرن 21 أن نتحدث عن إصدار فتاوي في الكفر والردة بحق مواطنين اختاروا الاختلاف؟.

وانطلاقا من تجربة البهائيين في تونس يتحدث محمد بن موسى عن معنى المواطنة كمصطلح حديث يتطلب تنفيذه تطبيق مفهومي العدالة والمساواة وفي الحديث عن الاحتفالات باليوم العالمي لحقوق الإنسان يستشهد بقول المتنبي «عيد بأي عال عدت يا عيد، بما مضى أم لأمر فيك تجديد» مشيرا إلى أن البهائيين في تونس يعيشون معاناة في الحصول على حقوقهم الدينية «ما ضرّ المجتمع لو ترك للإنسان حريته الدينية وشاركه فقط في القدرات والمهارات التي تخدم المجتمع والدولة».

«نحن تونسيون، ونتمتع بحقوقنا والدولة على تواصل معنا، هذه البلاد بلادنا ومن واجبنا الدفاع عنها والسعي لتكون أفضل في مجال الحقوق والحريات» بهذه الكلمات تحدث الحاخام دانيال كوهين رئيس كنيس حلق الواد، مؤكدا أن الجالية اليهودية تتمتع بحقوقها في تونس ولكن هناك بعض الأخلاقيات المجتمعية المؤلمة ومنها شتيمة «يا يهودي»، «شتيمة دارجة في مجتمعنا التونسي لغياب التربية على احترام الديانات والتحابب في المؤسسة التربوية» حسب تعبيره مشيرا أن المدرسة الأمريكية في تونس على سبيل المثال تجلب دوريا تلاميذها للحديث إليه ومعرفة بعض التفاصيل عن الديانة اليهودية من التلاميذ مسيحيين ومسلمين والغاية من ذلك تعليم الأطفال التسامح وقبول الآخر أيّا كانت ديانته».
ويضيف الحاخام، نحن تونسيون ونحب بلدنا ونريد أن تكون تونس في مصاف الدول المتقدمة و من واجب كل من يحمل الجنسية التونسية احترام القانون والدستور ويجب أن نظهر للعالم أن التونسيين متسامحون و التربية على احترام الديانات الأخرى واجب المؤسسة التربوية.
وبالإضافة للمدارس ينوه الحاخام بأهمية الإعلام في التوعية وعوض دعوة بعض الناس من المتطرفين في الرأي الذين يتحدثون «عن جهل» بالديانات الأخرى على الإعلام دعوة أناس يحترمون الأخر ويرسخون لثقافة الحوار والتسامح.
ويختم الحاخام تصريحه بالقول «الوطن ملك للجميع، علينا العمل على حمايته والرقي به، لكن الدين ملك للفرد، وعلى كل تونسي احترام القانون والدستور».

حرية الدين حرية ذاتية وليست جماعية
إن عوامل الاستقرار الاجتماعي الحقيقي، لا تتوفر دون وجود مناخ من الحرية والمساواة، والذي يحفظ كرامة الإنسان وسلامة المجتمع وامن الوطن واستقراره، فتتوفر بذلك كل العناصر المطلوبة لمفهوم المواطنة، فلا مواطن دون حقوق متساوية فهي الطريق لخلق مجتمع متوازن وسليم يدافع فيه الفرد عن منجزات وطنه ومكتسباته، وعن أمنه واستقراره، مما يجعله يكافح باستماته من اجل النهوض به وتطويره هكذا قدمت جمعيتا الوحدة في التنوّع والتلاقي الندوة الفكرية التي تمحورت حول «المواطنة وحرية الضمير.

وفي الإطار القانوني قدمت الاستاذة إكرام الدريدي أستاذة القانون الدستوري بكلية الحقوق بجندوبة محاضرة عن حرية المعتقد في الدستور التونسي وتحدثت عن موقع تونس جغرافيا ضمن الخارطة العربية التي تتبع التشريع الإسلامي في دساتيرها ومتوسطيا هي جزء من المتوسط وهناك تقارب تاريخي واقتصادي ونحن أيضا في منظومة عالمية تتميز بالانفتاح وتطبيق حقوق الإنسان وفي هذه الأرض هناك انفتاح تاريخي وحضاري، كما أننا نعيش بين التقليد والانفتاح.

أما تاريخيا فتونس تعيش على وقع ستة أعوام بعد اصدار دستور 27جانفي 2014 الذي نصّ في فصله السادس على حرية الضمير والمعتقد.

وتضيف استاذة القانون الدستوري، هنا يمكن طرح سؤال ماهو مضمون هذا الحق؟ لتجيب، «حرية الدين حرية حرية استقلالية، اي انها حرية ذاتية وليست شان عام والفرد مستقل عن المجتمع في حرياته الدينية وليس للدولة او المجموعة الحق في تحديد دين الفرد.
وحرية المعتقد حق اساسي من الحريات المدنية تضمنها الدساتير مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والدستور الالماني وجل الدساتير في الدول المدنية ومفادها انّ للفرد حرية اختيار نسق ديني او عقائدي (يختار اي نسق او ديانة سواء كانت سماوية او وضعية) وله حرية ممارسة الشعائر الدينية المتعلقة بهذا الدين وللإنسان أيضا حرية التنقل من دين إلى اخر أو من الدين الى اللادين (على سبيل المثال للانسان الحرية في التنقل من المسيحية إلى اليهودية، او من الاسلام الى الاباضية او الدين الى اللادين) وعلى الدولة هنا التزامان الاول سلبي ويتمثل في عدم المساس بهذه الحريات والالتزام الثاني ايجابي ويتمثل في حماية كل فرد داخل المنظومة واحترام دينه ومعتقده.

وتشير الاستاذة ان من مشاكل عدم فهم «حرية المعتقد» هو التعليم فالمنظومة التعليمية في تونس تتعامل مع المواد الدينية بطريقة خاطئة وعوض التربية النقدية والتحليلية لازالت المؤسسة من الابتدائي الى الجامعي تعتمد طريقة التلقين والحفظ ومؤكدة انه لا يمكن الحديث عن حرية دينية دون حرية فكرية وحرية البحث العلمي وتختم محاضرتها بالقول «وحده المرور من الدولة الدينية (التي تعامل ابناءها على اساس رعايا) الى الدولة المدنية (التي تعامل ابنائها على اساس مواطنين) لضمان حرية المعتقد وتطبيقها في ارض الواقع.

الشيخ كريم شنيبة:
يجب إعادة قراءة الخارطة الدينية في تونس
أشار الشيخ كريم شنيبة أن اغلب التشريعات قامت على الايديولوجيا مضيفا أن هناك صورا مشوّهة عن الإسلام فهل يعقل أن الدين الذي عانى ابناءه في بدايته من الظلم؟ يقبل ان يُظلم اناس يحملون ديانة أخرى؟ مشيرا ان الإسلام لم يأت لقمع الآخرين بدليل قوله تعالى «لكم دينكم ولي ديني» و قوله «من شاء فليؤمن» فالله هنا ترك الحرية للإنسان، واكد ان السلطة الدينية وعلى مرّ العصور عندما تتمتع بالنفوذ تتغوّل، داعيا إلى إعادة قراءة الخارطة الدينية في تونس.
جمعية التلاقي للحرية والمساواة:

تأسست التلاقي للحرية والمساواة كجمعية تعنى بالمواطنة والدعوة للحوار والتواصل بين الأديان المختلفة بعيدا عن العنف والكراهية، هدفها هو تعزيز الوعي الإنساني من اجل عالم أكثر عدالة ومساواة وحرية من خلال ترسيخ قيم المحبة والسلام والتسامح، والالتزام بالدفاع عن حرية الدين والمعتقد وإسماع صوت الأقليات الدينية ونبذ كل إشكال التمييز والتعصب ضدهم.

عمر فسطاني ممثل مكتب المفوضية
العليا لحقوق الانسان:
التشريعات متناقضة فيما يخص حرية المعتقد
اشار عمر فسطاوي على أنه وجب تقديم قراءة نقدية لحقوق الانسان في تونس، فمثلا تونس من اول الدول المدافعة عن المراة وحقوقها لكن في الوقت ذاته نجد ان هناك الكثير من النساء العاملات اللواتي لا يعرفن حقوقهنّ ولا يتمتعن بها.
وفي سياق موضوع الندوة أي حرية المعتقد يتساءل، في تونس هل أن الدين دين الأفراد أم دين الدولة؟ مقدما مجموعة من النصوص القانونية المتضاربة فالفصل الاول يقول ان تونس دولة مستقلة، الإسلام دينها» ثم الفصل 9ينص على الحفاظ على الوحدة الوطن وحرمته مقدسة وفي تونس الخدمة العسكرية واجب كل تونسي لكن يهود تونس محرومون من هذه الخدمة، والفصل 74 يقول ان رئيس الجمهورية دينه الاسلام؟، وهناك مجموعة من المواثيق متناقضة أيضا فبعض الجمعيات ذات الطابع الديني ترفض في المقابل اخرى تتحصل على التاشيرات، وكل هذه التناقضات القانونية تطرح السؤال عن حرية المعتقد في تونس؟
مضيفا في تونس هناك دعوات كثيرة للعنف مثلما حدث في الصيف حين خرج المسيحيين للاحتفال بالمادونا وكذلك هناك وزارة للشؤون الدينية لكن تغيّب بقية الديانات.

جمعية التلاقي للحرية والمساواة:
تأسست التلاقي للحرية والمساواة كجمعية تعنى بالمواطنة والدعوة للحوار والتواصل بين الأديان المختلفة بعيدا عن العنف والكراهية، هدفها هو تعزيز الوعي الإنساني من اجل عالم أكثر عدالة ومساواة وحرية من خلال ترسيخ قيم المحبة والسلام والتسامح، والالتزام بالدفاع عن حرية الدين والمعتقد وإسماع صوت الأقليات الدينية ونبذ كل إشكال التمييز والتعصب ضدها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115