و تعيد القصص المنسية الى الحياة فللون عظمته أمام الجدران الصامتة وللفنانين القدرة على استنطاق الحجارة لتحدثهم بالحكايا، بقصص الحبّ و السهاد وافكار العشاق الذين سكنوا ذاك المنزل او هذا.
«ميصرة الالوان» بدأت في المدينة وحان وقت القطاف، وسيكون امام ابناء المدينة لقاء مع الالوان وحركات الفنانين التشكيليين الذين انتقلوا الى مدينة الشابة للمشاركة في فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان الشابة للفنون التشكيلية المنظم بالشراكة بين دار الثقفة الجامعة وجمعية الطفل والابداع والجالية التونسية بسويسرا وبدعم من وزارة الشؤون الثقافية والمندوبية الجهوية للثقافة بالمهدية تحت شعار «ميصرا الوان».
الشابة: المتحف المفتوح
ها قد بدأت تعاليم الجمال تظهر للمارة وتدعوهم للحلم والمتعة هاهم الفنانون قد اخذوا أمكنتهم منذ يومين وبدأوا في تزيين الجدران، بعضهم يجلس إلى العجائز يسمع قصصهنّ يخبرنه بمن سكن ذاك المنزل المهجور أو تحدثه عن شبابها وماعاشته في الشابة ليحول الفنان تلك القصة إلى لوحة تشكيلية موشاة بالالوان ترسم على جدار المنزل فيعرف الصغار حكايات «الحومة» وقصصها من خلال الالوان.
الغرافيتي وتزيين الجدران أهم أركان مهرجان الشابة للفنون التشكيلية فالفنون لا تبقى حبيسة القاعات المغلقة او جدران دار الثقافة وانما تقترب إلى المواطنين وتذهب اليهم الى إحيائهم ومنازلهم ليكون العرس الفني مشتركا يجمع سكان الشابة بجميع أحيائها وخاصة القديمة والشعبية لانّ للفن رسالة نبيلة أهمها الدفاع عن إنسانية الانسان حسب تعبير ايمن الشريف مدير دار الثقافة الشابة.
انطلقت الرسومات وبدأت الألوان تزين الجدران، بدأت قصص سكان المدينة تدوّن بالريشة والخطّ واللون على الجدران وبدأت تتشكل ملامح «المتحف المفتوح» فبعد انتهاء المهرجان مباشرة تصبح المدينة قبلة للزوار، المارة بسياراتهم يتوقفون كثيرا لالتقاط الصور والتجوال والمغرمون بالفن التشكيلي يتوقفون أمام لوحة أو أخرى ويسالون عن سرّ الحكاية وتصبح المدينة المتحف البهيّ يفتح ذراعيه للجمال.
توزع الفنانين على شوارع المدينة، اختاروا الأبواب المنسية لإعادة الحياة إليها بالالوان، اختاروا الأحياء الأكثر حركية لتصل الرسالة إلى كل أبناء الجهة وتكون المتعة الجمالية جماعية، في الشابة احتلت الألوان الشارع، ازدانت الجدران بأبهى الألوان وترك الفنانون بصمة الأمل في تلك المدينة الصاخبة بالحب والحياة.
تمازج اللون والنوتة الموسيقة لصناعة فرجة
مهرجان استثنائي في عام استثنائي، رغم أزمة الكوفيد أقيم مهرجان الشابة للفنون التشكيلية، وفر المنظمون القليل من البهجة الفنية لأبناء المدينة ولرواد الجمهور، في حفل الافتتاح تعانقت الريشة بألوانها الساحرة وحكاياتها المختلفة مع النوتة الموسيقية لتصنع فرجة تمتع القلب قبل الذاكرة البصرية.
في دار الثقافة الشابة التقى أبناء المدينة سحر آلة العود وموسيقاها التي تدغدغ الروح وتدفعها الى النشوة بالموسيقى، مع نوتات العود أبدع الفنان ايمن مقني ليقدم للجمهور المتعطش للفن باقة من الأغاني التونسية والعربية، غنّى لعلي الرياحي ومحمد عبد الوهاب ووردة، غنى بصوت رقيق وإحساس مفعم بالحب، غنى للحبّ و للجمال فأمتع جمهور الدار الوافد
لاكتشاف المهرجان وألوانه.
تنبعث الموسيقى رقيقة من آلة العود ترحل في ثنايا المكان كأنها الأخرى تريد الالتحام مع الريشة لكتابة نوتات مميزة وبهية تسعد الروح وتنعشها في ظرف جدّ استثنائي وكم يحتاج التونسيون اليوم للموسيقى لإخراجه من دائرة التطاحن السياسي الموجود في اغلب المنابر، للبهاء غنى ايمن مقني، لجمهور مختلف قدم نوتاته المميزة ووزع صكوك السعادة في عرضه
الموسيقي الموشى بالحلم كشال حريري لأميرة البحار الشابة.
مع الموسيقى تكتب الألوان حضورها، توزعت اللوحات تحاكي الواقع واخرى تجريدية وثالثة تتغزل بالمرأة وجمالها في معرض جماعي لنقابة مهن الفنون التشكيلية ضمن فعاليات المهرجان، المعروض مفتوح للزوار لاكتشاف القليل من بهاء الريشة وإبداعات فنانين يحولون المحمل الأبيض إلى قصص مبهرة.
المعرض الجماعي اختلفت مضامينه ومعانيه لكن اغلب اللوحات اشتركت في موضوع المراة، انتصارا لها وللحرية رسمت النساء فأبدعت، واختار الرجال النساء مواضيع لواحتهم فجاءت الاعمال محملة بشيفرات الحب للمرأة باعثة الحياة وواهبة الحب.