أعمال الحبيب بيدة: سمــاع بصري ووداعــة تسعدنــا... بقلم: سامي بن عامر

يقدم الأستاذ الفنان الحبيب بيده يوم 20 نوفمبر القادم بقصر خير الدين بتونس العاصمة معرضه الاستيعادي. وبهذه المناسبة

وقبل ان نكتشف ما سيتضمنه هذا المعرض من أعمال فنية سنتبين فيها مؤكدا ثراء تجربة هذا الفنان، أتقدم بهذا النص المتواضع سعيا لتقديم موجز لصديقنا الحبيب ووقوفا عند خصوصيات اعماله الفنية.
والحديث عن حبيب بيده يحملني إلى بعيد. فهو الذي عرفته منذ مرحلة الشباب عندما كنا تلميذين بالمدرسة الثانوية طريق العين بصفاقس. وازدادت علاقتي به عندما التحقت بالمعهد العالي للفنون الجميلةحيث كان هو أيضا طالبا بهذا المعهد. وبالطبع كانت مسيرتنا منذ ذلك الحين متوازية.إذ أصبحنا زملاء في التدريس لفترة حياتية تواصلت الى اليوم. كانت اهتماماتنا ولا تزال نفس الاهتمامات: الفنون التشكيلية وتحدياتها ممارسة وتنظيرا وتدريسا ومعايشة.
كان الحبيب بيده أول طالب تخرّج من المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس في رتبة دكتوراه دولة. وبحصوله على هذه الشهادة،تخلت صفية فرحات مديرة المعهد آن ذاك عن مسؤوليتها هذه لتخلد الى التّقاعد وهي مطمئنة وممنونة ومتيقّْنة انها قد وضعت المعهد على المسار الصحيح. وكان أيضا الحبيب بيده من الأوائل الذين التزموا بالكتابة حول الفنون التشكيلية في تونس. فمقالاته في هذا الشأن عديدة وغزيرة. ولعل انخراطه في رواق «شيم» كعنصر ناشط في جماعته منذ أواخر الثمانينات والى نهاية التسعينات، كان تعبيرا عن هذا الهاجس الكبير الذي ربطه بالفنون التشكيلية ولا يزال.
والحديث عن التجربة الفنية للحبيب بيده يطول. ومثل هذا النص لا يمكن ان يفي بما أعرفه من معارض متعددة له ومن جوائز ظفر بها. لذلك خيّرت تقديمه من خلال قراءة لأحد أعماله الفنية علّنا بذلك نلمس خيطا رابطا يُطلعنا على أسلوبه ويحملنا إلى حبيب بيده الفنان السّاكن في باطنه، مركزين على عمل له بعنوان: «صخب الألوان».
 تطالعنا في هذه اللوحة، مجموع المساحات اللونية المتجاورة والمتراكبة والمتقابلة، الكبيرة والصغيرة وذات الألوان المتباينة، الحارة والباردة، الفاتحة والداكنة، والتي تتخلّلها بعض الأشكال الخطية الرقيقة والصغيرة، ليفضي الكل إلى فضاء دينامي متحرّك. 
يرتِّب بيده مساحاته ضمن بناء داخلي محكم يتكون من شبكة من الخطوط العمودية والأفقية المتقاطعة، مما يفضي إلى أشرطة عريضة متداخلة، أفقية وعمودية،والتي تتلاشى حدودها بصريا بتفاعل المساحات الملوَّنة والمتضمنة لها، محققا بذلك تناغما بين هذا البناء الهندسي الضمني للوحة وألوانه الغنائية المغازلة للبصر.
يتفاعل الحبيب بيده مع الضوء فيضمّْنُه ألوانَه ذاتَها، موظفا في ذلك تأثيرا تبايناتها الممكنة. يعتمد على تباين الألوان الحارة والباردة مثلا،فيبرز اللون الأحمر والبنفسجي الأحمر والأصفر في تضاد مع مساحات زرقاء وأخرى زرقاء تميل إلى الرمادي.ويراكم طبقاته اللونية الشفّافة، فيحدث بذلك تشافيا يصبح مصدر نبض اللّوحة. وتفضي بنا تقاطعاتها إلى تشكّل مساحات صغيرة تتباين مع المساحات الكبيرة محدثة بذلك حركيّة بصريّة.
إن الألوان وتأثيراتها البصرية تمثل أساس تعبير لوحة بيده. وهي تتحدّد انطلاقا من بنائها وتراكمها عبر عديد العمليات كالحذف والتّعديل والإضافة والخدوش،مما يحيلنا إلى مسألة التّخفّي والتّجلي،الباطن والظاهر،اللامرئي والمرئي، الغائب والحاضر، الضّبابي والواضح. ولعل هذا ما يحملنا إلى عالمه الشاعري والذي يستمد قيمته ومعناه من غموضه وتعدُّد معانيه. 
إن ما يثيره فينا عمله «صخب الألوان»،ليس صخب ألوانه كما تضمنه عنوانه، بل هشاشة عالمه الرقيق الشّفاف ورقته الحسية. وقد يكون الطفل مصدره.    
أعمال الحبيب بيده تحيلنا هكذا إلى سماعٍ بصري وإنشائية هادئة، نكتشف فيها وداعةً حسيةً تُسعِدنا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115