(عيساوية بني خيار) هذه الأيام عن دار سوتيميديا للنشر والتوزيع كتاب مهم بعنوان «ممارسات الإنشاد الصوفي في الطريقة العيساوية « وهو في الأصل أطروحة الدكتوراه التي حصل عليها بملاحظة مشرف جدا إذ يقول «يتناول هذا الكتاب الممارسات الشفوية والصوتية المأثورة عن المتصوفة الأوائل منذ ظهور الحركة الصوفية في بلاد المشرق والى غاية انبثاق التصوف الطرفي المنظم «ويضيف انه تم رصد شامل لمختلف الممارسات الشفوية والصوتية التي تم اعتمادها من طرف المتصوفة زمن التأسيس الأول مشرقا الى غاية انتشار الطرق مغربا وهو ما هيأ لاحقا الى ظهور «الطريقة العيساوية».
والتصوف في رأي منظريه حسب الأستاذ هشام بن عمر سعي دؤوب للوصول الى الله ورغبة جامحة في العودة بالذات الإنسانية إلى حالة صفائها الاول لحظة سواها ربها ونفخ فيها من روحه وقد تفطن المتصوفة الاولون الى تحقيق غايتهم المثلى بوسائل شتى غير الزهد والعبادة وعلى هذا الأساس مثلت اشكال الممارسة ذات المنحى الموسيقي احدى الوسائل التي أسعفت المتصوفة في سيرهم وترقيهم نحو الله لبلوغ حضرته والاستلهام من نفحاته .
لقد جاء كتاب «ممارسات الإنشاد الصوفي في الطريقة العيساوية « في ثلاث مائة وخمسين صفحة تضمن ثلاثة اقسام وستة فصول ينضاف إلى ذلك التصدير والمقدمة والخاتمة وتراجم الاعلام والفهارس وقائمة المصادر والمراجع وهو ما يؤد دقة البحث وعمقه والتوغل في ثناياه وتفاصيله فالأقسام التي أنبنى عليها هذا الكتاب هي على التوالي :
ممارسات التصوف الشفوية والصوتية قبل تأسيس الطريقة العيساوية /الممارسات (التأسيسية (الشفوية والصوتية) للطريقة العيساوية بمكناس/ الممارسات الموسيقية المستحدثة صلب الطريقة العياسوية في مكناس – اما الفصول فهي كالتالي :
-الممارسات ما قبل الطرقي –التصوف الطرقي المغاربي- الممارسات الشفوية (الأوراد) – الممارسات الصوتية (الأحزاب) – الليلة العيساوية المغربية ثم ملابسات الممارسات الموسيقية للطريقة العيساوية.
إن الممارسات الشفوية والصوتية المأثورة عن المتصوفة الأوائل قد انحصرت في تلاوة القران ثم الذكر والسماع بخصائص فنية وجمالية حيث مثلت أشكال الممارسة ذات المنحى الموسيقي وإحدى الوسائل التي أسعفت المتصوفة في سيرهم وترقيهم نحو ربهم لبلوغ حضرته والاستلهام من نفحاته .
لقد مضت خمسة قرون على تأسيس العيساوية وتوجد الزاوية العيساوية الأم في مدينة مكناس بالمغرب الاقصى حيث يوجد قبر الشيخ امحمد بن عيسى مؤسس هذه الطريقة.
لقد أبحر المؤلف بن عمر في عمق التفاصيل الكثيرة من المجال الموسيقي والغنائي الانشاذي وقد اورد – وهو الأستاذ المختص في الموسيقى – عديد «النوتات» الموسيقية المتصلة بالطريقة العيساوية حيث يقول مثلا أن «العيساويين من خلال حصة (الملوك) إلى تحرير الأشخاص الحاضرين الذي يفترض انهم مملوكون من الجن وفي باب جلاله يقوم العيساويون من خلال الأناشيد التي يتم تنفيذها في هذا الجزء من السهرة بالمناداة على مجموعة من الجن بطريقة الرمز وهم «ناس الغابة» و»ناس التراب» كما هناك نوعان مختلفان من الرقص خلال الليلة العيساوية وهما «الرقص الجدبة» والذي يعتقد انه متصل بعملية تملك الجن بالشخص الذي يقوم بهذا النوع من الرقص ثم «رقص التحير» وتقوم به النسوة هن بمثابة العرافات اللواتي يصبحن بهذا الرقص قادرات على الاتصال بالجن والاستماع إليه .
باختصار فان «سوتيميديا» تحسن اختيار إصدارتها اذ تطل علينا في كل مرة باصدار في غاية الاهمية على غرار هذا الكتاب «ممارسات الإنشاد الصوفي في الطريقة العيساوية» وهي ممارسات كثيرة ومتنوعة ولكن قارئ الكتاب يقف على حقيقة أن الموسيقى هي من الوسائل التي توصل المخلوق الى خالقه لا كما يردد شيوخ الدين بعد الثورة في بلادنا من ان الموسيقى حرام لانها في نظرهم هي مزمار الشيطان .
لقد اكد الباحث هشام بن عمر ان الممارسات الموسيقية المستحدثة التي تم إقحامها ضمن أعمال الطريقة العيساوية المغربية في «مكناس» كانت تمثل في بداية الأمر احدى صور ممارسة العقيدة الدينية بأسلوب فني صرف ولكن هذه الممارسات المنخرطة منذ البداية ضشمن طقوس وممارسات صوفية لم تسلم من مخالطة منظومة التقاليد الموسيقية الدنيوية المتنوعة وهذا التفاعل والتلاقح الثقافي ادى الى محو الحدود الفاصلة بين الديني والدنيوي والى انخراط «المدنس» في «المقدس» بل ان تلبس هذين البعدين ببعضهما لم يعد يسمح او يساعد على الفصل بين ها وذاك .