إنّ كلمة الرحمة جاءت في كتاب الله العزيز تارة مضافة إلى اسم (الله) وتارة مضافة إلى اسم (الرب) وجاءت غير ذلك.. وذلك ليس عبثاً من العزيز الحكيم، فكلامه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ..
فإنّ الرحمة إذا نسبت لاسمه (الرب) أفادت العطاء في القسمة، فإنه سبحانه يقسّم الرزق بالرحمة الربانية، وهذه الرحمة قد جاءت في كتابه العزيز في ستة مواضع:
«قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ» الإسراء 100
«ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا» مريم 2
«أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ» ص 9
«أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ» الزمر 9
«أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» «وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» الزخرف 32
فلو لاحظت جميع هذه الآيات دال على توزيع الرزق والقسمة والعطاء ..
أمّا الرحمة فإنها إذا أضيفت لاسمه الأعظم (الله) فإنها تدلّ على الفيض الذي لا يتناهي والكرم الذي لا ينقطع، ووردت هذه الرحمة في ستة مواضع كذلك:
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» البقرة 218
«وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» آل عمران 107
«وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ» الأعراف 56
«قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ» هود 73
«فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْد مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى» الروم 50
«قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً» الزمر 53
أمّا من لاحظ الرسم القرآني في الآيات السابقة التي أضيفت فيها الرحمة إلى الاسم (الله) فإنه يجد كلمة الرحمة جاءت تارة بتاء مفتوحة (رحمت)، وتارة أخرى جاءة بتاء مربوطة (رحمة)، وهذا لسرّ بسيط.. فإن (رحمة الله) لمّا جاءت بتاء مربوطة دلّت على ارتباط حصولها برابط مشروط، إذا فعلت هذا الشرط نلت تلك الرحمة، فهي رحمة مكتسبة، وقد وردت في
قوله سبحانه: (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ) دليل أنها مكتسبة بالأعمال الصالحة والقربات إلى الله وغير ذلك مما يوصل إلى الجنة ..
وكذلك وردت في قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ) وهنا إشارة إلى ارتباط الرحمة الإلهية بطلب المغفرة والندم على الذنوب، لذا فهي مربوطة كذلك بالعمل لتُكتسب.. وليس ذلك تحديداً لرحمة الله بل هي رحمة كذلك يرزقها الله لمن يشاء، ولكننا نتكلم من منطلق دائرة السبب...