هويتنا الدينيّة: الطريقة القادرية.. (1)

تنسب الطريقة القادرية في تونس وسائر البلاد العربية والإسلامية إلى الولي الصالح سيدي عبد القادر الجيلاني، صاحب المؤلفات الكثيرة

في التصوّف والمعرفة الذوقية، ومؤلف أشعار وقصائد كثيرة جُمع أغلبها في ديوان باسمه. ولقد اتّفقت المصادر الخاصة بالإمام عبد القادر الجيلاني أنّ اسمه محيي الدين أبو محمد عبد القادر الجيلاني الحسن الحسيني الصديقي بن أبي صالح موسى جنكي دوست، بن الامام عبد الله، بن يحيى الزاهد، بن محمد، بن داود، بن موسى الجون بن عبد الله بن المحض بن الحسن المثنى، بن الحسن السبط، بن عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه.

وكان الجيلاني يلقّب كذلك بألقاب عدّة تدلّ على تمكنه من العلوم والمعارف الدينية والصوفية ومنها «الغوث الأعظم» و»الجيلاني» أو «الكيلاني» نسبة إلى «جيلان» موطن مولده وعرف بلقب «سبط أبي عبد الله» و»باز الله الأشهب».

ووُلد الجيلاني سنة 470هـ/1077م ووفاته بإجماع المؤرخين كانت سنة 561هـ/1166م، وكان مولده في أسرة عرفت بالفضل والعلم فجدّه هو أبو عبد الله الصوفي وهو من كبار الزهّاد، وكانت والدته أم الخير فاطمة بنت عبد الله «سيّدة ورعة تقيّة، ورثت الصلاح عن وليّها». وفي جيلان تلقّى الشيخ دراسته الأولى وكان مستمعا جيّدا لترتيل القرآن، وتحكى عنه كرامات كثيرة منذ طفولته إذ كان لا يلقم وهو طفل رضيع ثدي أمّه نهارا في شهر رمضان إلاّ إذا أذن الغروب. وفي سنة 488هـ/1095م نزل سيدي عبد القادر الجيلاني من بلاد فارس إلى بغداد في السنة التي ترك فيها الامام الغزالي ت505هـ/1111م التدريس في نظامية بغداد الشهيرة حيث تزهّد وسافر سفرته التي وضع فيها «إحياء علوم الدين». وفي بغداد وما حولها «تنقّل الجيلاني في أطوار الرحلة الممتدّة من الخلق إلى الحق، من الدنيا إلى الاخرة، من الأرض إلى السماء، وفي بغداد أزهرت شجرة ولايته توبة».ولم يعرض الشيخ الجيلاني عن دراسة الفقه وعلوم الشريعة والأصول ودرس الأدب وعلوم اللغة، وكان ذلك على يد أبي زكرياء التبريزي.

ورغم أنّه تلقّى علم الكلام ومباحثه في أصولها ومظانّها الأساسية فقد كان رافضا لمذاهب المتكلّمين على اختلاف فرقهم وآثر المعرفة المباشرة للذات الإلهية عبر الذكر والتأمل، ومن خلال السياحة، ولعلّ تعريفه للتصوّف يكشف لنا ذلك إذ يقول: «اعلم يا ولدي... أنّ التصوّف على ثماني خصال أولاها السخاء والثانية الرضا والثالثة الصبر والرابعة الإشارة والخامسة الغربة والسادسة لبس الصوف والسابعة السياحة والثامنة الفقر». والفقر عند الصوفية هو الشوق إلى محبّة الله وإيثاره عن كلّ شيء. ويعتبر الشيخ الجيلاني أحد أبرز الملامتية وهم جماعة من أهل التصوّف، سلكوا مسلك لوم النفس وتأديبها، ورياضاتها مع محبّة اللّه، واعتبار ذلك مدخلا إلى معرفة اللّه وحقيقة الوجود، ويتأكّد هذا من قول محيي الدين ابن عربي في الفتوحات المكية حين تطرّق إلى الملامتية: «ومن تحققوا بالملامتية، شيخنا عبد القادر الجيلاني». وللشيخ الجيلاني فلسفة متماسكة الأطراف في حقيقة النفس وإصلاح أحوالها وسبل الترقي بها في مدارج المعرفة واليقين.

فللنفس مقامات سبع أولها النفس الأمّارة وسيرها إلى الله وعالمها الشهادة، وثانيها النفس اللوّامة وسيرها إلى الله وعالمها البرزخ وثالثها النفس الملهمة وسيرها على الله وعالمها «اللاّهلاج» ورابعها النفس المطمئنّة وسيرها مع الله وعالمها الحقيقة المحمدية وخامسها النفس الراضية وسيرها في الله وعالمها اللاهوت وسادسها النفس المرضية وسيرها عن الله وعالمها الشهادة، وسابعها النفس الكاملة وسيرها بالله وعالمها كثرة في وحدة ووحدة في كثرة. ويعرّف الجيلاني الصّوفي بأنّه «من جعل مراده الحق ورفض الدنيا وراءه». وللشيخ الجيلاني مجموعة من الأوراد والأدعية والأحزاب نجدها متداولة عند تلامذته ومريديه من الممثلين للطريقة القادرية ومنها «حزب الاشراق» و»حزب التشهّد» و»حزب الابتهال» ويسمّى «ورد الصبح» و»حزب السريانية» ويسمّى «ورد الظهر» وحزب «فواتح البصائر» و»حزب الفتحية» ويسمّى «ورد المغرب» و«حزب التمجيد» ويسمّى «ورد العشاء» و»حزب النور وقضاء الحوائج» و»حزب الوسيلة» و»حزب المودّة والتسخير». أمّا مؤلفات الشيخ عبد القادر الجيلاني فأبرزها:

- «الغنية لطالبي الحق»: كتاب في آداب السير الصوفي وفضائله.
- الفتح الرباني - الفيوضات الربانية - سرّ الأسرار
- فتوح الغيب وله نصوص وصيغ في الصلاة على النّبي محمّد تحتوي على فلسفة عميقة في فهم حقيقة الذات المحمدية، ووضعها على هيئة من البيان والبلاغة متفردين، ومن ذلك، «صلاة الكبريت الأحمر».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115