الأخلاقيات: المراقبة

 على المسلم أن يستشعر دائمًا أن الله مطلع عليه، عليم به رقيب على أعماله، وإنه لا تَخفى عليه شيء أو تعزُب عنه مثقال

ذرة في السماوات، ويعلم ما في الأرض، ويرى دبيب النملة السوداء في الصخرة الصماء في الليلة الظلماء سبحانه، «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» سبأ: 3.

 
فمن علم ذلك يقينًا كانت أعماله وحركاته لا تخرج عن نظر الله إليه، ومراقبته له، فلا يعمل الا ما يرضيه، ولا يفعل الا ما يحبه، وهذه المرتبة «الإحسان»، وهي أعلى مراتب الدين، وأجَلُّها أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهذا ما ينبغي أن يحمله المسلم في قلبه ويعلِّمه أبناءه، أن يراقبوا الله فلا يكن خوفهم من الناس هو الحامل لهم على ترك المعاصي والآثام، فالله أحق أن يُخشى سبحانه: «وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ» الأحزاب: 37.
 

والصيام من أعظم العبادات التي تنمِّي المراقبة لله في النفوس، فهي من العبادات الخفية بين العبد وربه؛ حيث لا يمكن لأي أحد أن يطَّلع عليها، أو يعلم حقيقتها، فلو شرِب أو أكل في خلوته، ما علم أحد بذلك، ولن تظهر عليه آثار ذلك الفعل، ولكنه يمتنع عن هذه الشهوات المحببة والملذات الملهية؛ لأنه راقب الله، وعلم أن الله مطلع عليه.
 أن خُلق المراقبة هو مقصد عظيم من مقاصد الصيام، لو عمل به المسلم في كل شؤون حياته، لتغيَّر حاله وزكَت نفسه، وحسُن عمله وقَوِيَ إيمانُه، وأصبح خلقًا يلازمه في حياته، ولا يجد العبد صريح الإيمان؛ حتى يعلم أن الله تعالى يراه، فلا يعمل سرًّا ما يفتضح به يوم القيامة.

 ومن ثَم فعبادة الصيام إذا قام بها المسلم كما أمره الله تعالى، وراقَب الله في يومه كله، فإنه يجني ثمرات هذه المراقبة في نفسه، ومنها حفظ الجوارح عن الوقوع في المحرمات، والامتناع عن الشبهات، ومراقبة الله تعالى في كل سكناته وحركاته، فلا يعمل الا ما يرضاه، ولا يقول إلا ما يُحبه.

 وفي كتاب الله نماذجُ من هؤلاء الذين راقبوا الله تعالى وخافوه، لنرى كيف أن هذه الخشية والمراقبة كانت هي العاصم لهم من الوقوع في الحرام، فهذا نبي الله يوسف عليه السلام راودته سيدته عن نفسها، وغلِّقت الأبواب، وهيَّأت المكان، فلا يراهم أحد أو يطَّلع عليهم إنسان، ولكن القلب الحي المعلَّق بالله الذي يعلم أن الله مطَّلع عليه يراقبه، تذكَّر عظمة ربه، فقال الله عنه: «وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُون» يوسف: 23، بل إنه أصبح مَن اقتدى بيوسف وامتنع عن الحرام مع توفُّره وسهولته من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115